نشرت صحيفة الأمناء الغراء في عددها المؤرخ 20/7/2014م مقالا على شكل خواطر للأخ د. مفتاح علي احمد بعنوان: " الجمعية العدنية .. بين اليابلي والعوبلي"، فتح فيه النار على الجمعية العدنية وعلى رائد التنوير عميدها محمد علي لقمان؛ ولم يكن السيد مفتاح فاتحا للحقائق بقدر ما كان مغلقا لها، فقد وقع في أخطاء نرى أنه لابد من تصحيحها وتصويبها حتي لا يقع القارئ والجيل في التضليل.
يحكي لنا مفتاح عن الحزب الوطني الاتحادي فيقول: ( إن ذلك الحزب سمي فيما بعد بالجبهة الوطنية المتحدة)، وقد وقع هنا في خطأ تاريخي فادح، وقدّم هذا على ذاك؛ لأن الجبهة الوطنية المتحدة تشكلت في عام 1955م قبل الحزب الوطني الاتحادي بسنوات.. (انظر كتاب سعيد الجناحي: " الحركة الوطنية" صفحة 720). وتشكل الحزب الوطني الاتحادي في منتصف عام 1960م (انظر كتاب عبده حسين الأدهل: "الاستقلال الضائع" صفحة 155).. فكيف يقول مفتاح (أن الحزب الوطني الاتحادي سمي فيما بعد بالجبهة الوطنية المتحدة.) التي كانت قبله؟
ولا علاقة بين الحزب والجبهة، بل انهما نقيضان، ويعرف ذلك من يعرف ابجديات التاريخ السياسي القريب.
ويذكر الكاتب مفتاح (حركة القوميين العرب ) كإسم رنان في نظره دون علم بجذورها المسيحية واقطابها من بعض الفلسطينيين من خريجي معهد شملان المشبوه بماسونيته اليهودية وماذا يعد ويخرج، ومنهم حواتمة وحبش والهندي وغيرهم.. وهناك هيكل يبين جذور الحركة... (انظر الموسوعة السياسية للدكتور الكيالي وكامل زهيري).
ويركز كاتب المقال، بل ويكرر (أن الكل انفضوا من حول لقمان وجمعيته العدنية) غير متنبه إلى جانبين، بغض النظر عن نوعية الشخص او الطرف الذي انفض:
الجانب الأول:
تاريخ لقمان النضالي وكفاحه السياسي والاجتماعي إزاء المستعمر، ورصيده الثقافي والكتابي التنويري الضخم والمنشور حاليا في ستة مجلدات تبنت بعضها جامعة عدن، وأقامت ندوة لقمان في نوفمبر 2006م شارك فيها عشرات الأكاديميين والباحثين بدراساتهم وبحوثهم حول لقمان (اربعون دراسة)، وأطلق اسم لقمان على قاعة ديوان الجامعة. فهل كل هؤلاء مخطئون والسيد مفتاح وحده مصيب وعلى حق في تحامله؟
ويبدو أن السيد مفتاح لم يتابع ذلك ولم يمر على تلك المجلدات. وإذا اطلع على بعض منها، فإننا نتمنى منه أن يبرز لنا صفحة واحدة سلبية كانت سببا في انفضاض أو خروج البيومي ومن رافقه عن لقمان وعن الجمعية. علما بأن الكل كان يعرف السبب وهو أنه الخلاف على دخول القات عدن. فقد كان لقمان وراء منعه وكان البيومي وراء عودته إلى أسواق عدن ربما لمصلحة خاصة، إلى جانب ميوله أن تدخل عدن في اتحاد مع سلاطين وأمراء المحميات ومشايخهم وكان لقمان يرفض ذلك.(انظر كتابي : "دور عدن في الثورتين"، وكتابي:" لقمان رمز الوطن الحي"، وكتابي : "الوطن فوق القبيلة").
الجانب الثاني:
إن هناك من انفض عن لقمان وجمعيته - على حد تعبير مفتاح – ويقول بأنهم الكل، فليتفضل بعرض ولو جزء بسيط من هؤلاء الكل، ليعطينا بعض الأسماء غير البيومي, مع رجاء أن يبين لنا بايجاز إلى اين قادوا البلاد وكيف كانت نهايتهم؟
ويروي لنا دال نقطة مفتاح أحداثا تاريخية وكأنها بمعزل عن بعضها، بينما مترابطة ومحورية؛ ففي الوقت الذي توجه فيه لقمان إلى مبنى الأمم المتحدة في الولايات المتحدة في 13 سبتمبر 1962م ليلقي خطابه التاريخي مطالبا باستقلال عدن والجنوب وتصفية القواعد العسكرية البريطانية منهما، خرجت جماهير عدن بفارق عشرة ايام عن خطاب لقمان، وقد خرجت في تاريخ 24 سبتمبر 1962م. خرجت في زحف أطلق عليه اسم (الزحف المقدس) لترفض عدن دمجها في الاتحاد الفيدرالي مع الأمراء والمشايخ كمشروع استعماري؛ وهذا يلتقي مع اهداف لقمان، بينما أيد هذا الاتجاه البيومي والعوبلي.
والسيد مفتاح ينتقي ما يشاء ويوافق وجهة نظره من كتاب الاستاذ المرحوم محمد حسن عوبلي:( اغتيال بريطانيا لعدن والجنوب العربي) ويترك ما يشاء مما لا يوافق وجهة نظره؛ ففي الوقت الذي يصف أول رئيس بعد الاستقلال وصفا إيجابيا فإنه يتجاهل ماكتبه العوبلي عن أول رئيس وما كشفه من حقائق جوهرية.
وبعد يومين من الزحف المقدس والغليان في عدن ورد النبأ بأن رياح التغيير عصفت بالنظام الامامي الملكي في صنعاء، بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م بعد سنوات من التحضير لها من قبل الرأسمال الوطني الحر وابرزهم في مشروع الجمهورية كان عبد الغني مطهر منذ العام 1958م وحتى قيامها وبدأ دور الضباط الأحرار قبل قيام الثورة بعشرة اشهر وكان عبد الغني مطهر يحضر اجتماعات الضباط الأحرار السرية. وكان الشيخ المناضل والمحسن عبده حسين الأدهل وسيط المراسلات السرية بين المحضرين للثورة من جهة والضباط المصريين من جهة أخرى وذلك عبر صيدلياته التجارية كما اخبرني شخصيا بذلك وكما نشر فيما بعد. ( علما بأن الأدهل شارك مع شقيقه عثمان ومع المجاهد خليفة في بناء مقر الجمعية العدنية في كريتر عدن على نفقتهم الخاصة ثم استولى البيومي عليه مستقويا بالسلطة وبالدهماء والغوغاء رحمه الله. ونضيف أن الأدهل قام ببناء مدارس منها مدرسة النهضة الثانوية في الشيخ عثمان).
وفي العام الأول من الثورة اليمنية في صنعاء، وجه الرئيس السلال قائد عملية الثورة , دعوة للقمان لزيارته في قصر الرئاسة في صنعاء, وأخذه في جولة بسيارته في ضواحي صنعاء. كيف لا وقد كان لقمان والسلال شريكين معا ومع غيرهم في ثورة 1948م التي انطلقت من عدن. وتوجد وثيقة رسالة من السلال إلى لقمان يقول فيها مخاطبا لقمان:" لكم القسط الأوفر من النضال، وكل حر يقدر لكم ذلك"" نشرت في عدد 2266بتاريخ 22/6/1963م في الصفحة الأولى من صحيفة فتاة الجزيرة. ألا يكفي هذا؟
والآن انظر إلى الترابط المحوري بين الأشخاص والأحداث والمواقف حتى لا تفصل بينها:
ترافع لقمان كمحامي مع الأدهل عند اعتقاله من قبل السلطات البريطانية يوم الزحف المقدس المذكور في 24 سبتمبر 1962م وترافع مدافعا كمحامي عن الجندي مبارك سالمين حارس مقر الجمعية اليمنية الكبري (دار المكاوي في الطريق إلى العيدروس بكريتر)الذي أطلق النار على البلاطجة والرعاع حينما جاؤوا للهجوم على مقر الجمعية وهم مجموعة من حمالي وعتالي الميناء من ذوي الميول الملكية والمدفوعين من قبل أعوان الإمام في عدن. علما بأن الثورة جاءت لإنقاذهم من براثن الظلم والفقر والجوع كما صور ذلك شاعر الثورة الزبيري حين قال:
ماذا دهى اليمانين؟ في لحظاتهم بوس وفي كلماتهم آلام
جهل وأمراض وظلم فادح ومخافة ومجاعة وإمـــام
ولكن القط يحب خناقه.
ترافع لقمان عن مبارك سالمين وخرج له بحكم البراءة. وترافع عن الشيخ عبد الله الحكيمي حينما دست له السلطات البريطانية تنسيقا مع الإمام قطعة سلاح في امتعته الشخصية وهو قادم من بريطانيا إلى عدن لتلصق به تهمة الإرهاب. وأما عن خليفة عبدالله حسن خليفة الذي أورد الكاتب مفتاح اسمه والمشهور بحادث قنبلة المطار فلعمك ان الذي قاد حملته الانتخابية وهو في السجن كان ماهر لقمان وقد فاز خليفة وخرج من السجن الى المجلس النيابي ، اذن نخلص الى اننا وجدنا بصمات لقمان في اهم الاحداث ومع ابرز الشخصيات والاماكن فهو في ثورة 48 م ومحاميا لاطرافها ولطرف في الزحف المقدس ومتزامنا مع الزحف بخطابه في الامم المتحدة، وهو ضيف قائد ثورة سبتمبر السلال ، ماذا تريد اكثر من ذلك؟ الا يكفي هذا يا سيد مفتاح؟ اربط بين اشخاص والاحداث والمواقف بصدق وامانة تجدها محورية وتشكل لوحة واحدة غير قابلة للتجزئة والتمزيق والتجاوز والمباعدة بين الاحداث واغفال المواقف الوطنية.
وهناك اعتراف ورد اعتبار للقمان ممكن كانوا يتحاملون عليه كما فعلت، انها من صحيفة الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني، عدد 1923 بتاريخ 2006/8/2 بعنوان :"قراءة في منتدى الجاوي" او لم تؤمن بعد؟ كما آمن الناس؟.
والذي نعرفه ان شعار عدن للعدنيين كان موجها ضد الموجات البشرية القادمة من دول الكومنولث والذين كانت الادارة البريطانية تمنحهم الوظائف دون ابناء عدن وليس موجها ضد ابناء المحميات او شمال الوطن لقد شكا لقمان في مقال في صحيفته من اضطهاد الموظف العدني في العام 1942م وذلك حتى من قبل وصول هذه الموجات التي زادت الطين بله وقاد لقمان حملة استمرت لتوظيف ابناء عدن وليس ابناء الكومنولث الذين بدأ تدفقهم في العام 1946 ولكن رجل المخابرات البريطاني هو بسن كلف بتحريف وتشويه شعار الجمعية العدنية لاحراج الجمعية امام الرأي العام وسمم الكثيرين بذلك وما يزال تأثير السم عند البعض الى اليوم، لقد كان يتكلم العربية ويمضغ القات ويتجول في المبارز المحلية لتشويه الجمعية مصطحبا معه احد اعضاء حركة القوميين العرب وللمزيد اقرأ مذكرات يوسف العزيبي، من مكتبة جامعة عدن لتعرف علاقة بعض اعضاء الحركة بالمستعمر.
وهناك شهادة من النعمان صانع الاحرار وابرز قادة ثورة 1948م لصالح لقمان والجمعية العدنية فلماذا الافتراء والتبلي كما يبدو ان السيد مفتاح لا يريد ولا يشجع الوظائف والتوظيف والادارة لابناء عدن، ولعله يريد إلقاء ابناء المدينة في البحر واحتكار الوظيفة للاقربين من العشيرة وربما القبيلة التي جربناها واحالت المدينة الى ساحة صراع وخراب.
اما الاعجوبة التي كتبها السيد مفتاح في المقال فهي نبأ نشاط سري لاقطاب الجمعية العدنية يتمثل في مشروع قيام مملكة في الجنوب العربي يكون ملكها من العراق وهو امير عراقي وان المشروع الغي بمقتل الملك وقيام ثورة تموز في 1914 بقيادة عبدالكريم قاسم وان السيد مفتاح شارك في المباحثات مع اقطاب الجمعية من اجل ذلك ، حيث يقول :"كنت قد اشتركت في هذه المباحثات السرية شخصيا مع اقطاب الجمعية العدنية"، ونحن هنا نتقبل الخبر باعتبار مصدره العوبلي لانه كاتب ذو مصداقية واورد مبررات المشروع. ولكن السؤال البريء هنا مع دعائنا بطول العمر للسيد مفتاح هو كم كان عمره قبل عام 1958 عند اشتراكه في المباحثات السرية لتقرير مصير شعب ودولة،؟ وكم عمره الان هل هو 76 او 86 عام؟ لا يبدو من الصورة انه كذلك ونتمنى له الصحة كما ان الجمعية العدنية التي كان مفتاح مع اقطابها ثم عاد لينتقدها ويحاول تحجيم صاحبها لقمان وهو نعده رمز عدن، نود منه ان يتكرم بمقال عن ذكرياته وعلاقته باقطاب الجمعية من لقمان الى غيره مع ذكر اسمائهم طالما وانه كان معهم اننا متشوقون لذلك ونرجو منه، ونرجو معرفة جانب من تلك المباحثات التي يقول انه شارك فيها قبل عام 1958 نريده للامانة والتاريخ وسنكون له شاكرين.
مقالات أخرى