الحقيقة التي نواجهها هي ليست فقط متمثلة في تشوه الوعي الجنوبي منذ احتلال الجنوب في 1994م .. بل إن الحقيقة التي نتحاشا الوقوف أمامها هي أن حرب 94 واحتلال الجنوب أفرز أوضاعا فرضت ظروفا مختلفة لتجمعات الجنوب ودول مختلفة تعيش بها مجتمعاتهم مختلفة في نهج الحياة مع بعضها ومختلفة مع الداخل واغتراب بدول مختلفة الثقافات وبمستويات معيشية حددت المحيط المؤثر لكل منهم وخلقت وعيا يعيش في الخارج يختلف مع بعضه من بلد لآخر وحسب درجة التأثر والمعاناة وخلقت مع جميعهم اختلاف عن تفكير ووعي من بالداخل .. وحتى من بالداخل تنوع بين مستقر يعيش بالداخل ويعيش بالداخل لكنه مسافر للعمل في دول الجوار وتنوع المجتمع الجنوبي أيضا بين من هم في مواجهة مستمرة مع المحتل يحرم كل أشكال العلاقات مع المحتل إلا في حدود اضطرارية إجبارية محدودة وبين من أوجد الفاصل الهامشي لرفض الاحتلال مع التعايش مع واقع الاحتلال وبين من اندمج في تعايش تام كأمر واقع أو اختياري وبين من اندمج كاملا مع المحتل واعتبر نفسه كجزء لا يتجزأ منه وكان ينظر إلى مجتمع الجنوب كمجتمع عدو وبأحسن الأحوال ينظر له بنظرة تبريرية كمجتمع عدائي .
كل هذه التصنيفات ليس المقصود بها الفرز لأجزاء المجتمع الجنوبي بقدر ما هو المقصود استيعاب كل أنواع المفاهيم التي نشأت لدراستها بجدية ومعالجتها لإيجاد منفذ لتأسيس المفاهيم المشتركة وإعادة الثقافة الإنسانية التي انطلق منها الجميع في بدء تكوين المجتمع الإنساني الجنوبي .
هذا مدخل لابد منه لفهم الواقع المتشكل جنوبيا فكريا وثقافيا يحمل كل منها مفاهيمه الخاصة به، ذلك الفهم الصحيح سيمكن المهتمون من تتبع الحالة بشكل صحيح تمكنهم من صناعة رؤى ومفاهيم تقرب كل هذه التجمعات المتنافرة التي كل منها يسعى لنفس الهدف التحرري الجنوبي بشكل منعزل عن غيره رغم تداخل عناصر كل هذه التكوينات المجتمعية في تكوينات سياسية وثورية تنتهي بالتفكك والتحلل بشكل مستمر نتيجة تداخل العناصر المتنافرة في تركيبتها دون وعي وإدراك منا.
مقالات أخرى