سكان "حي السلامي" العيش على هامش الحياة بتعز

جماعة من المهمشين "الأخدام" منذ القدم تكتشف معهم عالما آخر.. في تحليقهم العالي في سماء الصبر ومقاومة الواقع المرير, انتقلوا من بلدانهم ومن مناطقهم الريفية نظراً لكون الطبقات السامية في البلاد طردتهم واتخذت معهم معاملة العبيد وأشد من ذلك.. طفح الكيل لديهم فانتقلوا إلى أطراف المدينة كلاجئين من ظلم القبائل لهم.. كان تحولهم من الويل إلى سقر.. لم يجدوا سوى الصبر ملجأهم.

انتقلنا إلى أرض المعاناة فوجدنا اليأس يكاد يقضي على ما تبقى من بارقة أمل في نفوس سكان "حي السلامي" في منطقة البعرارة محافظة تعز.

يعاني سكان هذه المنطقة من العديد من المشاكل، التي تنغص حياتهم، وتجعل أيامهم صعبة للغاية في ظل ظروف الحياة القاسية, وتلازمهم تحديات خطيرة في نضالهم للبقاء.

يعيش الأخدام في مناطق عشوائية معرضة للسيول وبيئة تحمل الأمراض والتلوث, تخلو من الخدمات الرئيسية كشبكات المياه أو الصرف الصحي كما إن مساكنهم غير صحية وضيقة وتتسرب إليها مياه الأمطار وحتى أن بعضها ليست فيها دورات مياه. كما يعيش بعضهم مع الأغنام والمواشي في نفس المنزل وتحيط بهم أكياس القمامة من كل جانب والمستنقعات الراكدة... وأكثر ما يؤسف الأمية التي تتخبط بين أسرهم.

البطالة تخلق الحماقات

أول ما وجدنا محل للشبز يعمل في طرف "حي السلامي", طرقنا باب المحل لنستفسر صاحبه عن الوضع الذي يعيشه وكيفية التعامل الذي يلاقيه من هذه الفئة المهمشة كان جوابه "معاملة طيبة", لكنه قال "هناك البعض تعاملهم غير أخلاقي فلا يستطيع الواحد أن يأمن على محله أو أن ينشغل في البيع والشراء وعدم التركيز عليهم من محاولة السرقة لكونهم يحترفون هذه المهنة لكنهم ليسوا الأغلبية إنما مجموعة بسيطة من الشباب والذين لم يحصلوا على فرص عمل حيث أن البطالة هي التي تدفعهم لارتكاب مثل هكذا حماقات".

وأضاف: "نحن نرثي لهذه الفئة التي همشتها الحكومة وأبعدت منظورها عنها حتى أنك لا تجد فيها ولو أبسط الخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء والمجاري فالسكان دائماً ما يعانون من كثرة الأمراض الحادة في المنطقة نظراً لأنه لا يوجد لديهم مشروع صرف صحي ولا يتم رفع القمامة التي تكدست أمام أبواب منازلهم فهذا ظلم مقرف تقوم بارتكابه الجهات المعنية".

قصة وراء كسرة خبز

أوشكنا الدخول إلى وسط الحي.. البيوت لا بأس بها مقارنة ببعض الفئة المهمشة في مناطق أخرى ومحافظات أخرى لكن هذا الحي كانت معاناته مختلفة عن بقية الأحياء.. ابتداء من ذلك الطفل الرضيع الذي في أحضان والدته يقتات كسرة خبز تبدو يابسة. لم يتركنا فضول المشهد بالسير قبل أن نعرف قصة هذا الطفل. بدأنا بالسلام ولا نعرف من أين نبدأ بالحديث.. وبعد أن عرفوا بدأت تلك الأم "كوكب علي سعيد" بسر القصة والمعاناة قائلة: "كنت متزوجة وقد خلفت خمسة أولاد وهذا محمد ولدي أصغرهم, لكن الله شاء أن يصبح يتيماً ولم يقدر له أن يعرف والده الذي أصيب بحادث مروري"..

وأشارت بأصبعها إلى وسط الحي قائلة: "وذاك المنزل حصلت علية دية زوجي المتوفي لكنه غير مكتمل".. وأخرجت ورقة شهادة وفاة زوجها والتي اتخذتها وسيلة تستعطف بها قلوب الناس لتستطيع سد رمق الحياة لها ولأولادها.

وتابعت في سرد معاناتها والبيئة التي تسكن فيها "لا يوجد مشروع مجاري, والقمامة تتكدس أمام منزلنا, والبعوض لا يتركنا نرتاح".. حتى البعوض له نصيب في إقلاق حياتها.

معاناة بدرية

فتاة أخرى تبدو في ريعان شبابها "بدرية عبده حسن" من هذه الفئة المهمشة خرجت من باب المنزل لتدلي بدلوها عن مدى معاناتها وإلى أين أوصلت بها مجاديف الزمن!

قالت: "أنا مطلقة وأنا في هذا العمر الصغير", ترثى لحالها وتتابع عن السبب قائلة "الظروف المادية هي التي خلقت الصراعات بيني وبين زوجي وعندي أطفال وأحاول جاهده إسعادهم بعد أن تركهم لي زوجي"..

وسردت عن الحياة القاسية التي يتجرعها أبناء الحي باعتبارها واحدة منهم وذكرت المجاري والتعليم  والمياه وما إلى غير ذلك.

مشهداً يثير الدهشة

لم يكن الوقت كافياً لولا أننا استأجرنا دراجة نارية لتنقلنا إلى أزقة الحي وإلى المواطنين لمعرفة آرائهم ومدى الظلم الذي يخيم على رؤوسهم.. تابعنا السير على الأقدام لالتقاط الصور.. صادفنا مشهدًا يثير الدهشة ويترك مجالًا واسعًا للحديث لمجرد وصف هذا المشهد فقط:

مجموعة غفيرة من النساء بينهن رجل خمسيني العمر إضافة إلى الأطفال الصغار الذين يمرحون ويلعبون بجوار بئر.. حينها كانت لنا في قراءة تعبيرات السعادة على وجوه الصغار مقارنة عميقة مع ملامح المعاناة التي ترتسم على وجوه الكبار.. كان لنا معهم حديث طويل لكن لا يوجد متسع لهذا الحديث لكونه غارق في الشكوى والعناء الذي يرافق حياتهم بل كل أيامهم.. وهذا الجمع ليس من فئة "الأخدام" فقط بل هناك اختلاط القبائل معهم والذين تتساوى معاناتهم مع هذه الفئة..

عموماً التقطنا صورهم ولم نتلق أي معارضة منهم أو الانزعاج من التصوير بل غمرتهم الفرحة عندما تحركت عدسة الكاميرا إليهم؛ زعماً منهم أن الصحافة ستغير من حالهم وسيستفيقون على مشروع مياه وسط الحي ويزيحون من كاهلهم كل أتراح الحياة وغالباً ما يكون سكان العشوائيات واسعي الحيلة بشكل مبهر.

الصورة أولى بالحديث

وكان آخر جولتنا أن بحثنا عن عاقل الحارة مكتفيين برأيه.. فلا داعي لزيارة المجلس المحلي والجهات المعنية إذا كانت المعاناة واضحة على السطح والشكوى على أذانهم متكررة والمشهد ليس مخفياً.. بل إن الروائح تعطر الشارع الذي يمر على جوار الحي..

كان لنا لقاء –في الختام- مع عاقل الحارة "قاسم غالب دبوان" الذي بدأ بحديثه عن مدينة الوفاء السكنية التي قام في بنائها البنك الدولي من تنفيذ مشروع التطوير البلدي وإشراف جمعية التكافل حد قوله.

وتابع "في هذه المدينة, قامت الحكومة في اختيار الأولوية من الاخدام من جميع المناطق والذين بلغت معاناتهم الذروة؛ أي الذين كانت منازلهم في أماكن تجمع السيول أو الذين ينامون في الشوارع مع عوائلهم ...الخ, لكن هذه المدينة ليست خالية من المعاناة؛ فمشروع المياه لا يأتينا ومشروع المجاري مسدود والكهرباء يعلم بحالها الله".

وأضاف: "عبر صحيفة الأمناء نوجه حديثنا وشكوانا لكل المهتمين بحياة وحقوق الإنسان لدعم المشاريع الخدمية التي تخدم المواطن المسكين بدرجة أساسية؛ لأنه لن يستطيع تحمل المزيد من المعاناة بوادي السلامي في البعرارة التي تواجه مشاكل متراكمة منها القصور الأمني الذي شجع على البناء العشوائي والتوسع العمراني غير المنظم حول المديرية لقرى وأحياء شعبية مترامية الأطراف وناسف أن يظل واقع السكان بحي السلامي بحالة مزرية جداً".

وأنهى حديثه بعبارة أختصر بها كل الحديث قائلاً "بالنسبة لهذه الطبقة المهمشة فمعاناتها لا تحتاج إلى وصف؛ فالصور أولى بالحديث عن نفسها وما يظهر فيها".

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني