لم أكن مهراق الدموع ، حتى إنني إذا مارأيت إنسانا يبكي لأمر ما ، تألمت خوفا وجزعا من أن أكون من القاسية قلوبهم . حججت واعتمرت لأكثر من مرة ، لكن دموعي استعصت وأبت أن تنزل من عرينها ، أسوة بكثير من الحجاج الذين تنسكب دموعهم - من خشوع - عند كثير من المشاعر المقدسة ، إلا أن مارأيته وأراه ، في هذه الليالي المباركة في أولى القبلتين وثالث الحرمين ، وثكنة المرابطين ، المسجد الأقصى المبارك في فلسطين العربية الإسلامية ، أمرا آخر ، إذ لم يهرق دموع العين وحسب ، بل أدمى القلب قبل ذلك ومزق الأحشاء ، حين رأيت شيخا مسنا - في المسجد المبارك - يدفعه أحد الصهاينة حتى يقع على ظهره ، وشاهدت المصلين كيف يكبلهم الصهاينة ، وهم واقفين يستقبلون القبلة ، ونظرت في الشاشة أيضا ، وإذا بالنساء العربيات المسلمات ، يتعرضن للضرب المبرح من الصهاينة الأنجاس ، غير أن هناك مشهدا آخر أضحكني ، ودموعي تنهمر على خدي كالشلال ، إنه الهلع والرعب الذي أصاب الصهاينة من تلك الأحجار التي يقذفها عليهم الشباب والشابات المرابطون في المسجد الأقصى المبارك ، وهم ينتشرون في صفوف وكل واحد منهم يمسك بيد الآخر يخطون خطوة إلى الأمام ثم مثليها إلى الخلف ، إنهم يشبهون نساء الأرياف حين يخرجن لقضاء الحاجة في الليالي المظلمة ، حقا لقد كانت حجارة المرابطين أشبه بحجارة من سجيل على الصهاينة ، الأمر الذي جعلني استذكر حادثة أصحاب الفيل ، والأعظم من ذلك إن بعضا من أولئك الشباب المرابطين يزحف إلى أن يصل إلى تلك الحجارة التي تتساقط على الصهاينة ، ثم يلتقطها - وهو مستلق على الأرض - ويقذفها إلى الخلف باتجاه زملائه ، لكي يقذفونها مرة أخرى على الصهاينة ، فلله دركم كم أنتم عظماء أيها الجبارون المرابطون في المسجد الأقصى المبارك . عند ذلك عمدت إلى التساؤل مع الذات ؛ ماقيمة الحياة من غير عزة وبلا كرامة ؟ مامعنى الحياة إذا فارقها الإباء أو رحل عنها الشموخ ؟ كم كنت محقا أيها الشاعر العربي العظيم ، كم كنت محقا يامتنبي إذ قلت :
وإذا لم يكن من الموت بدا ** فمن العار أن تموت جبانا
وكذلك إذ قلت :
وطعم الموت في أمر حقير ** كطعم الموت في أمر عظيم
أيها المرابطون في الأرض المباركة ، يامن تتصدون لغطرسة الصهاينة بصدوركم العارية ، اعلموا أن ليس لكم إلا الله ، ثم قوة إيمانكم ، وصلابة عزمكم وإرادتكم ، وتكاتفكم واتحادكم ، والنصر - كما يقولون - صبر ساعة ، أما نحن فإياكم ثم إياكم أن تنتظروا منا نجدة أو مددا أو عونا ؛ لأن ثقافتنا قد خلت منها أو تكاد ، تلك المفاهيم والمصطلحات التي تعني العزة أو الكرامة أو الشموخ أو الإباء . اصبروا وصابروا ورابطوا أيها المرابطون الجبارون ، والنصر حليفكم بإذن الله ، وبحق شهر الجهاد والانتصارات ، هذا الشهر المبارك ...