المناطقية سمٌ ينخرُ في أخلاق الأجيال
الأمناء نت / د. سميرة المشجري :

 

  إنَّ مفهوم المناطقية  الذي كان في الماضي  مرتبطًا بالانتماء والانتساب إلى المنطقة التي ولد فيها أو عاش فيها أو رُزقَ فيها ، أرتبط اليوم بتحقيق الذات ،فأصبح الاستثمار في الذات هو مشروع الفرد الوحيد ،ومن هنا نشأ التفكير الاستهلاكي المجرد من التكاتف الاجتماعي والشعور بالمسؤولية الجماعية ،  الذي يعزز  الوجود الإنساني المشترك بين الأفراد ، وهذا الاستهلاك الفردي لا يولد إلا الأنانية المشتركة بين الأفراد التي تنخر في عقولِ وصدورِ أجيالٍ يُسقون من كأسٍ  سامٍ  منذ الولادة .

    أصبحنا نعيش في مجتمع مناطقي مًسيس ، ومن المُحتَّم  أنْ يؤثرَ  هذا السلوك  المناطقي  على كل وجوه الحياة ، فجميعنا يعيش تحت ضغط الاستهلاك المناطقي ، وبذلك صرنا سلعًا في أسواق المناطقيين الذين لا يفقهون من العيش إلا أرذلة وأحقره .

       إنَّ سيادة المجتمع المناطقي قد يؤدي إلى ذبول  التكافل الإنساني في المجتمعات ،واضمحلال قيم  التراحم والتشارك المجتمعي .

   فالمناطقية أصبحت تحديًا  أخلاقيًا وسلوكًا ،يجب الوقوف أمامه ـوتخليص العامة من العقول الفارغة والتافهة التي لا مكان لها اليوم في عالم الحداثة .

    لقد شارك ضِعاف النفوس ، وأرباب العقول الفارغة والقلوب السوداء على توسيع الفكر المناطقي وتشجيعه لإرواء عطشهم المادي ، ونيل أغراضهم الشخصية من الجاه والمنصب ،

 

و الكارثة انَّ المناطقية تُحِّكم علينا أنْ نضعَ المفسدين والمتسلقين في مواقع صنع القرار ؛ ليعبثون في الأرض فسادًا ، ويزيدون الطين بلةً ، بل ويعيشون في وهمٍ بأنَّهم  يمثلون ضمير مجتمعاتهم وعقلها المفكر وحَارس وعيها ،ويدَّعون قود مجتمعاتهم  على دروب الحرية  ومعارج التقدُّم ، ولا عجب ،فمن يغرق في أوهامه ، ينفي نفسه عن العالم ، ومن يقع أسير أفكاره ، تحاصره الوقائع ، هذا دأبُ الذين قدَّسوا المناطقية سلوكًا وفكرًا وعملًا  .

     إنَّ مشكلة المناطقي هي في أفكاره لا في المكان ، وأنَّ مأزقه يكمن في مناطقيته الذاتية المتسلطة عليه ،والتي يشعر من خلالها بأحقيته في الاستحواذ والسيطرة والتملك ، وأنَّه لا مكان للآخر في هذا المكان  الذي رسم له حدودًا ضيقةً في عقله الصغير ، كما أنَّه لا يعترف بأحقية الآخرين في العيش ، ولا يذكرُ جميلًا أو معروفًا لمناطق أخرى  خدمته ووفرت له الحماية وسبل العيش الكريم .

   لقد غَدتْ المناطقيَّة فكرًا وسلوكًا كسُمٍ ينخرُ في عقول الأجيال و أخلاقهم  ، وباعتبار أنَّ الإنسانَ كائنٌ  مِيزَتْه أنْ يفكرَ ،فإنَّ عملَ الفكرِ سلاحٌ ذو حدين ، قد يكون أداة  كشف وتنوير وتطوير ، وقد يكون أداة  حجب وتضليل  وتخلف ، وهذا الأمر الأخير ،هو الأداة التي سيطرت على أجيال اليوم والتي سيرضع منها أجيال المستقبل .

  فأيِّ مجتمع اليوم ننشد ، وأي بلد نحلم أن يرتقي ، وأي جيل نتكئ عليه ،وقد عَصفتْ به رياحُ التخلف وأبعدته مسافات طويلة عن الحضارة والحداثة ، واستؤصِلتْ منه القيم والمبادئ والثوابت وحرية العيش في مجتمع يسوده رابط الإخاء والفكر المنير .   

 

متعلقات
تنفيذية انتقالي شبوة تستعرض الأداء التنظيمي للهيئات ومستوى تنفيذ الأنشطة
خلال إحاطته أمام مجلس الأمن .. المبعوث الأممي يحذر من انهيار شامل في اليمن
جريمة مروعة تهز محافظة تعز .. مقتل امرأة مسنة طُعنت بالرأس بعد معرفتها بهوية سارقيها
اللجنة العليا لتصنيف الجامعات اليمنية تناقش التحضيرات لانعقاد ورشة عمل لتقييم الدورة الأولى
الكثيري يطّلع على أوضاع عمال مؤسسة موانئ البحر العربي