كتب : د.علي صالح الربيزي
وسط دخان المعارك المتصاعدة، يتقدّم سؤال خطير إلى الواجهة: ماذا لو خرج الحوثيون من موجة التصعيد الأخيرة دون أن تُكسر أجنحتهم؟ في خضمّ هذا المشهد المضطرب، لا يحتاج اليمني إلى كثير من التكهّنات ليدرك أن ما يُرسم خلف الكواليس هو أكثر من مجرد صراع نفوذ — إنه إعادة هندسة للجغرافيا السياسية، بأدوات عقائدية مستوردة، تسعى لتحويل صنعاء إلى "طهران جديدة" في خاصرة الجزيرة العربية.
"إيران اليمن".. سيناريو يخرج من الظلال إذا نجحت جماعة الحوثي في امتصاص الضربات الجوية والصراعات العسكرية دون أن تنهار بنيتها، فإنها ستعبر رسميًا إلى طور "الدولة الموازية"، دولة تمارس السيادة بمظهر جمهوري وباطن مذهبي عقائدي، مستلهمةً التجربة الإيرانية في أدق تفاصيلها،من عسكرة الحياة العامة، إلى تصدير الثورة والوصاية الدينية، المفزع في هذا السيناريو ليس فقط واقعيته، بل هشاشة الممانعة في مواجهته.
فراغ الشمال .. وتمرد الجنوب ،في الشمال تتآكل ما تُسمى بـ"الشرعية" كجثةٍ سياسية تُنهشها الولاءات المتصارعة. لم تعد تملك الأرض، ولا القاعدة الشعبية، ولا حتى خطاب الدولة. مأرب وتعز مجرد جزر معزولة تُصارع الموت البطيء وسط طوفانٍ عقائدي لا يرحم.
أما الجنوب، فهو استثناء هذا السقوط الحرّ، جدارٌ فولاذي من الوعي والهوية والرفض، شعبٌ قرر ألا يكون تابعًا، ولا ساحة لتصفية الحسابات هنا، لاچ تُقبل مشاريع التبعية، لا لحوثي ولا لغيره الجنوب يرسم مصيره، لا يكتبه أحد نيابة عنه.
المأساة ليست في الحوثي.. بل في غياب البديل
المأساة الكبرى ليست في تقدم الحوثيين، بل في الفراغ المهول الذي خلّفه تلاشي المشروع الوطني البديل. الشرعية انتحرت سياسيًا، فتركَت الوطن فريسة للتجاذبات. وبين ميليشيا صاعدة، وشرعية منهارة، وحده الجنوب يقف بشموخ، حارسًا لما تبقى من كرامة وهوية.
مفترق الطرق: جمهورية إيرانية.. أم نهضة جنوبية؟
اليمن اليوم أمام مفترقٍ وجودي: إما أن ينبثق من رحم هذه العاصفة مشروع وطني جامع يعيد للبلاد توازنها، أو تسير صنعاء نحو تثبيت أركان "الجمهورية الإيرانية الثالثة" — بعد طهران وبغداد — بصمتٍ دولي، وتساهل إقليمي، وتواطؤ داخلي.
لكن الجنوب، كما تشير كل المؤشرات، لن يكون جزءًا من هذا المشروع. وإذا كانت صنعاء تُسلَّم بهدوء، فالجنوب يكتب تاريخه بحبرٍ من الصمود والتحدي، رافضًا أن يُختطف مرة أخرى.
الساعة تدقّ، واليمن يختبر مصيره الأخير. فهل من صحوة تُعيد الأمور إلى نصابها؟ أم أننا على أعتاب إعلانٍ غير رسمي لدولةٍ تدين بالولاء لقم، لا لصنعاء؟