الزيدية: حين يتنكر المذهب للعدالة ويخون اليمن 
كتب فتحي أبو النصر 

 

إذا أردنا أن نرسم خارطة للبؤس السياسي في اليمن، فسنجد الزيدية جالسة هناك في قلب المأساة، بالقاوق، اللغم ،تقرأ "رسائل الإمامة" لا لتبني أمة، بل لتُكبلها. الزيدية، التي يُفترض بها أن تكون اجتهادا فكريا في سياق إسلامي هاشمي تحرري، تحولت إلى مؤسسة كهنوتية تعتقد أن العدالة تبدأ وتنتهي عند "البطنين"، وأن اليمنيين خلقوا ليكونوا طبقتين: سادة تُقَبَّل أقدامهم، وعوام يُجلدون بصمتهم.

نعم ، لم تكن الزيدية في يوم من الأيام مذهبا روحيا متسامحا أو متصالحا مع التعدد، بل كانت على الدوام خطابا سلطويا يلبس عباءة الورع ليمارس استبدادا سياسيا باسم الله. 
فهي، منذ أن أطل المتورد  يحيى الرسي على مسرح التاريخ اليمني، كانت وما تزال مشروع إقصاء وتكريس لفكرة أن الحكم حق إلهي يُمنح لسلالة بعينها دون سواها، وكأن بقية اليمنيين نبتوا من قشور التاريخ.

لذا لا غرابة أن يتحول هذا المذهب إلى أداة استعباد جماعي، وأن يُستخدم لتبرير الحروب ونهب مقدرات الدولة. 
نعم ، الزيدية، كما طبعتها الإمامة، ليست مدرسة فقهية بل مصنعا لإنتاج "العكفة"، أولئك الجنود الذين يحرسون ظل السيد ويجلدون أبناء جلدتهم، راضين بدور التابع الأبكم، لأن الجينات الزرقاء لا تورث فقط الحكم، بل تورث الحق المطلق في تحديد من هو مواطن ومن هو مجرد "زنجباري" في عيون السادة.

وحين نقول "الزيدية"، فنحن لا نلعن الإيمان، بل نفضح أولئك الذين حولوه إلى تجارة نخاسة مذهبية، وألبسوا الشعب اليمني ثياب الذل منذ ألف عام، وأذاقوه مرارة التهميش، وأقنعوه أن "العدل" يعني أن تحكمه طبقة تدعي القرب من الله عبر دمها!

نعم ، أليست هذه الزيدية التي حكمت صنعاء وحرمت التعليم إلا لمن رضخ للعمامة؟ أليست التي أحلت دم القبائل ما لم تخضع لوصايا "الإمام الناطق"؟ أليست التي جعلت من عدن "دار كفر" لأن فيها موسيقى وهواء حر؟ لماذا نتصنع الاحترام أمام إرث عنصري لا يخجل من القول: "السيد لا يُقاد، والسيد لا يُنتقد، والسيد من نسل فاطمة، وفاطمة وحدها أم الأمة؟"

لا : هذه أرضنا أرض قحطان العظيم والمخلد رغما عنكم يا استعمار.
ثم لا. لا مساواة في وطن ترعاه الزيدية السياسية. بل لا مواطنة في ظل من يعتقد أن الشورى بدعة والديمقراطية رجس من عمل الجمهوريين. وإذا أردت أن ترى تجسيدا حيا لهذا الانغلاق، فانظر إلى جماعة الح..وثي، الوريث الفعلي للإمامة الزيدية، الذين جاءوا ليعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء، يدفنون اليمن في كهف الشعارات الفارغة، ويرقصون على جراح شعب قال كفى، مليون مرة.

صدقوني الزيدية الحديثة ليست إلا صدى مريض لذلك المذهب الذي نَفَر منه ثلاثة أرباع اليمنيين، لا لأنه شيعي، بل لأنه متعجرف، عنصري، لا يعترف إلا بنفسه، ولا يرحب بغير التبعية. هو مذهب يرى في "الآخر" مشروع تابع، أو مشروع كافر، أو في أفضل الأحوال: مواطن من الدرجة العاشرة.

ولأننا صادقون مع أنفسنا، سنقولها علنا: من يمجد الزيدية،  وهو يعرف تاريخها، هو إما غافل أو منحط أو يبحث عن سيدٍ يحكمه. ونحن لا نريد سادة، نريد مواطنين. لا نريد عكفة علينا، نريد عقولا. لا نريد إمامة جديدة، نريد جمهورية تحترم الإنسان دون النظر إلى نسبه أو مذهبه أو لون عمامته.

نعم ،الزيدية فكرة هامشية فرضت نفسها بالقوة، بالخرافة، بالسيف، وجاء الوقت لنخلع عنها ثوب القداسة، ونسميها كما هي: استعمار داخلي مغلف بالدين.

نعم ، هذه ليست عنصرية، بل رغبة في التحرر من عنصرية المقابر المفتوحة التي ترفض أن يمشي في أرض اليمن حرٌّ لا ينتمي إلى "آل كذا" أو "بيت فلان".

نحن أبناء الشمس، أبناء عدن والضالع والصبيحة وأبين وشبوة وريمة ووصاب وعتمة والبيضاء وحضرموت وتعز ومأرب والحديدة، لا ننتظر إذنا من "سيد" لنكون أحرارا. ولا نحتاج ختم الزيدية لندخل الجنة، لأننا ببساطة: لا نؤمن بجنة يقودنا إليها كاهن.

متعلقات
الطيران الأمريكي يدمر مخازن أسلحة في جبل نقم بصنعاء "صورة"
عاجل: 3 غارات أميركية على مخازن أسلحة للحوثيين في جبل نقم بصنعاء
مدير شرطة السير بعدن يزور الملازم أمين محمد ويوجه بتغطية نفقات علاجه
إسبانيا تعلن "السبب المبدئي" لانقطاع الكهرباء
عاجل : غارات أمريكية تستهدف مواقع للحوثيين في صنعاء وعمران