د/ علي صالح الربيزي
حين شرّع الله القصاص، إنما شرعه رحمة وعدلاً، لا تشفّيًا ولا إذلالًا. قال تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون". هذه الآية العظيمة تحمل في طياتها حكمة عظيمة تحفظ للمجتمع أمنه، وتصون للنفوس حرمتها، ولكن المؤلم أن هذا الحد من حدود الله قد بات اليوم يُعرض على الملأ، ويُنشر كأنه مشهد استعراضي خالٍ من كل مشاعر الرحمة والحياء.
إن مشاهد الإعدام التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل غياب الدولة والنظام والقانون، لا تحمل في جوهرها رسالة ردع بقدر ما تزرع في النفوس الخوف والاضطراب. بل إن أثرها في المجتمع قد يكون عكسيًا، فتخدش كرامة الإنسان، حتى وإن كان مذنبًا، وتُحدث صدمة نفسية للأطفال واليافعين، وتزيد من معاناة ذوي المعدومين الذين لا ذنب لهم إلا قرابتهم له.
لكن من منطلق إسلامي، لا يجوز التشهير بالمذنب، ولا استعراض العقوبة على نحو يمتهن كرامته. الإسلام دين ستر، ودين رحمة، حتى مع المذنب. وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم رقيق القلب، حريصًا على مشاعر الناس، لا يفضح أحدًا، ولا يُشهر به، بل يأمر بالعدل مقرونًا بالرحمة.
وما يزيد الأمر سوءًا أننا نعيش في يمنٍ بلا دولة تُنظم شؤون الإعلام والنشر، ولا وعي مجتمعي يُدرك خطورة هذه الممارسات وآثارها. في ظل هذا الفراغ، تنتشر المشاهد المؤلمة وكأنها إنجاز، بينما هي في الحقيقة تعبير عن انحدار أخلاقي وإنساني يجب أن نتداركه قبل أن يتفاقم.
إن القصاص حكم إلهي مقدس، لا يجوز أن يُستخدم كوسيلة للترهيب أو كأداة للفرجة. فليكن تطبيقه في إطار من الحشمة، وليكُن بعيدًا عن عدسات الهواتف وكاميرات الإعلام، حفاظًا على كرامة الإنسان، وصونًا لنفسيات الأبرياء من الأطفال والنساء والمجتمع عامة.
فلنحفظ للقصاص هيبته، وللإنسان كرامته، وللأجيال القادمة سلامة نفوسها.
ولنقلها بصدق القصاص شريعة... لا عرضٌ مسرحي!