استدارة ترامب: سياق التفاهمات الايرانية الامريكية بشأن اليمن
الأمناء / كتب / حسام ردمان:

 

أبرز الملفات الخلافية بين واشنطن وطهران : البرنامج النووي ، البرنامج الصاروخي ، والنفوذ الإقليمي

لماذا يعد الوضع الإقليمي نقطة ضعف لإيران عقب انهيار محورها من وجهة النظر الأمريكية؟

كيف نجحت طهران في تحييد البرنامج الصاروخي عن التفاوض باعتباره شأنا سياديا ؟

نتنياهو تلقى من ترامب ثلاث ضربات موجعة . . فيم تتمثل هذه الصفعات؟

ما هي تداعيات قرار ترامب المفاجئ في اليمن على معادلة الصراع اليمني؟

ما هو هامش المناورة الذي ما زال متاحا للمعسكر المناهض الحوثي؟

 

 

لا يمكن فهم قرار ترامب المفاجئ في اليمن ، بدون العودة لتتبع تطورات السياق الإقليمي على مدار الشهريين الماضيين. و تحديداً منذ مارس المنصرم حيث شهدت المنطقة قدرا من التصعيد المنضبط بين طهران و واشنطن ؛ والذي كان جزءًا من "حرب أعصاب" سبقت انعقاد أولى جولات التفاوض غير المباشر بين الطرفين.

وخلال الجولة الأولى في مسقط بتاريخ 12 أبريل الماضي ؛ كان مطلوباً من عراقجي وويتكوف تحديد جدول الأعمال من بين ثلاث ملفات خلافية : "البرنامج النووي ، البرنامج الصاروخي ، النفوذ الإقليمي".

نجحت طهران في تحييد البرنامج الصاروخي عن التفاوض باعتباره شأنا سياديا ، وعوضا عن ذلك فقد قدمت لترامب عروضا استثمارية تصل الى ترليون دولار . 

اما فيما يتعلق بالشأن الإقليمي ، فقد انفتحت إيران على التفاوض بخصوص نفوذها في العراق و اليمن و لبنان. لكن وبحسب مصدريين ديبلوماسيين عربي وغربي ، فإن واشنطن رفضت إدراج الملفات الإقليمية ، و لاسيما اليمني ، في أجندة التفاوض، واكتفت بتركيز الحديث على الملف النووي حصرا.

على الأرجح فقد كان تقييم واشنطن يرى بأن الوضع الإقليمي بات نقطة ضعف لإيران عقب انهيار المحور ، وان ما تحاول طهران تسويقه كتنازلات ، هو في حقيقة الأمر ضمانات سوف تأخذها من واشنطن كي تحافظ على ما تبقى من نفوذها. 

لذا فإنه وفور انتهاء جولة التفاوض الأولى ، وبعد ان رفض ويتكوف عرض عراقجي للتهدئة الإقليمية؛ استأنف الحوثيون تصعيدهم بصورة مكثفة ابتداءً من 13 أبريل الماضي ، و بدأوا يستهدفون بصورة أكثر كثافة العمق الإسرائيلي و الأصول العسكرية الامريكية. لكن ذلك لم يمنع من حدوث تفاهم ضمني بين الطرفين على إدارة التصعيد المنضبط

من جهة يلتزم الحوثي قواعد الاشتباك المفروضة عليه أمريكيا ، و من جهة أخرى تواصل واشنطن كبحها لتل ابيب عن استهداف الأصول الجيوسياسية لطهران في اليمن أو في الداخل الإيراني.

و كلما كانت المفاوضات الإيرانية الأمريكية تتقدم، كان الموقف العربي يزداد تمسكا بنهج التقارب السياسي مع إيران بدلاً من إزاحتها جيوسياسيا على غرار ما جرى في سوريا. وهو ما تجلى من خلال التنسيق الديبلوماسي الإيراني المصري الوثيق في أعقاب كل جولة تفاوضية.

وكانت نقطة التحول الأهم مع زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران ولقاءه بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي . وقد سلم وزير الدفاع السعودي إلى القيادة الإيرانية رسالة من الملك سلمان تحثها على استخدام نفوذها لكبح جماح الحوثيين، وخفض التوترات في البحر الأحمر وهي خطوة من شأنها أن تُسهم في تسريع الحوار الإيراني الأميركي.

ومع تراجع وعود العملية البرية المدعومة أمريكيا في اليمن ، بدا واضحاً ان الرياض تنوي استثمار زيارة ترامب إلى المملكة كي تستأنف الزخم السياسي لجهود الوساطة في اليمن ، لذا فقد كثف السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر من حراكه الديبلوماسي مؤخراً مع القيادات السياسية اليمنية وتم دعوة المبعوث الأممي إلى الرياض.

وفي المقابل بدأت تل ابيب في نهاية أبريل الماضي تدشين "حرب الظل" عبر سلسلة انفجارات في الداخل الإيراني .وقد أدرك ترامب أن استمرار التصعيد الأمريكي في اليمن يسمح بشكل غير مباشر بتهيئة البلاد كساحة لحرب الوكالة بين طهران وتل ابيب.

وهو ما جرى فعلاً في بداية مايو عبر استهداف مطار بن جوريون بصاروخ بالستي إيراني قادم من اليمن ، وإعلان الحوثيين فرض حظر جوي على إسرائيل ، وقد سعت طهران بذلك إلى الانتقام لانفجار بندر عباس وفرض معادلة ردع جديدة على قاعدة: "المطارات في مقابل الموانئ". والذي ردت عليه إسرائيل بقوة مفرطة لفرض حصار جوي وبحري عبر تأمين مطار صنعاء وميناء الحديدة.

كل هذه المتغيرات الإقليمية ، إضافة الى تزايد الجدل السياسي والإعلامي في الداخل الأمريكي حول جدوى الضربات العسكرية؛ دفع ترامب إلى اعادة تقييم سياسته في اليمن. 

و في بداية مايو الجاري ، وجه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث تحذيراً حاداً إلى إيران متوعدا بأنها سوف تدفع ثمن دعمها للحوثيين في اليمن. وقد مثل هذا التصريح رسالة ضمنية بجاهزية واشنطن للنظر بعرض إيران السابق حول التهدئة في اليمن. 

وهو ما قد كان حينما أعاد الإيرانيون طرح الصفقة على ويتكوف في مسقط نهاية الاسبوع الماضي. و نظرا لأن هندسة الاتفاق هي بالأساس إيرانية أمريكية فان موقف الحوثيين كان أيضاً أقرب إلى المفاجأة وقد ظهر عليهم الارتباك في تبريره وإعلانه .

لقد أرادت إيران أن تناور في اليمن لتحقيق هدفين ؛ من جهة تحمي أصولها الجيوسياسية من الضربات الأمريكية الموجعة ، ومن جهة أخرى تعتقد ان بوسعها تحييد واشنطن عن مواجهتها الجديدة في الساحة اليمنية مع تل ابيب. 

وطوال الفترة الماضية نجحت إيران في تحييد أمريكا عن القيام بضربة عسكرية ضدها ، لكن قد يبدو إسرافا بالطموح الاعتقاد انه بوسع طهران تحييد واشنطن للقيام بضربات أمنية ضد إسرائيل. وعلى الأرجح فإن المناورة الإيرانية سوف تكون قاصرة مالم تتضمن أيضا وقف التصعيد ضد إسرائيل وقبول فصل الجبهات مثلما جرى مع حزب الله وغزة.

وهنا تحديداً تكمن نقطة الضعف بالنسبة لجماعة الحوثي التي ما برحت قياداتها تصرح بمواصلة جبهة الإسناد. وخلال الأيام القادمة إذا قرر الحوثيون الاكتفاء حصراً بهجمات من خلال المسيرات فإنهم يهيئون بيئتهم لقرار وقف التصعيد. وفي حال نجح ترامب خلال زيارته للرياض بإعلان صفقة في غزة فان ذلك سوف يمنح الحوثي نزولاً آمنا عن الشجرة.

اما إسرائيل فقد كانت تأمل بأن تنسيقها الأخير مع واشنطن لشن ضربات في اليمن ، يقربها خطوة إضافية من تحقيق نفس السيناريو في إيران. 

و قد راهن نتنياهو على انه حتى وان وجه ضربة موجعة للحوثيين في مطار صنعاء وميناء الحديدة فان ذلك لن يثنيهم عن مواصلة الهجمات ، وحينها تكون تل ابيب قد استنفدت كل الذرائع بخصوص الحوثي ولم يعد أمامها سوى ضرب إيران مباشرة.

لكن نتنياهو تلقى من ترامب ثلاث ضربات موجعة :

 أولاها لم يخبره الأمريكان بوجود صفقة مع الحوثي ، و ثانيها لم يتضمن الاتفاق أي تطرق إلى أمن إسرائيل و هو ما يمثل رسالة بأن تل ابيب مثلما أصبحت وحدها في اليمن ستكون وحدها أمام إيران ، و أخيرا تفاجأ ان تل ابيب ليست على جدول زيارات ترامب للمنطقة.

لقد نجح ترامب من خلال هذا القرار في إنجاز جملة مكاسب تكتيكية :

من جهة كرّس مسار التفاوض مع إيران ، حيث تزامن وقف الضربات في اليمن مع إعلان الجولة الرابعة من المفاوضات في مسقط ، وبطبيعة الحال فان هذا يجعل طهران أكثر حرصاً على تجنب التصعيد مع إسرائيل كي لا تفرط بما لديها من فرص واعدة.

و من جهة أخرى يضغط ترامب على إسرائيل التي تحاول تعطيل المفاوضات النووية و ترفض وقف الحرب في غزة . ومن جهة ثالثة يهيئ المناخ لزيارة أكثر إيجابية إلى الرياض ، ومن جهة رابعة ينتزع علامة نصر للداخل الأمريكي فهو الرئيس الذي أوجع الحوثيين وأجبرهم على الاستسلام.

 

والآن وبعد فهم السياق السياق الاستراتيجي الذي أنضج الاستدارة الترامبية ؛ يمكن لنا طرح الأسئلة المتعلقة بحساباتنا الوطنية : ما هي تداعيات هذا القرار على معادلة الصراع اليمني؟ وما هو هامش المناورة الذي ما زال متاحا للمعسكر المناهض الحوثي؟

متعلقات
رمزية علم الدولة الجنوبية وحق أبناء عدن و الجنوب في التمسك بهويتهم الوطنية...
هيئة المرأة تعقد اجتماعها الدوري وتؤكد دعمها الكامل لمطالب نساء الجنوب
يمني يضرب عن الطعام في بيروت حتى يصدر قرار بتعيينه ملحق ثقافي بإحدى السفارات
تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الثلاثاء بالعاصمة عدن
جمعية الوفاء تدشن دورة تدريبية في الأشغال اليدوية والإكسسوارات للكفيفات الجنوبيات عدن