سكان صنعاء يقبعون تحت طائلة الفقر وشعارات الحوثيين
الأمناء نت / الشرق الأوسط:

في حين تغطي شعارات الحوثيين شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، يهيمن البؤس على السكان في المدينة، مع زيادة حدة الفقر، والنقص الشديد في حجم المساعدات الدولية التي تراجعت إلى أكثر من النصف للمرة الأولى منذ بداية الحرب التي أشعلها الحوثيون قبل عشرة أعوام.

وفي حالة تستحضر نماذج من حكم الأنظمة العسكرية الأمنية التي كانت تطلق على نفسها «ثورية» في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، يلفت نظر الزائر للمدينة اللافتات الضخمة التي رُفعت في تقاطعات الشوارع والميادين العامة، التي تمجّد قادة الحوثيين والقيادات الإيرانية وأخرى من «حزب الله» اللبناني، الذين لقوا مصرعهم إما بضربات أميركية أو على يد الإسرائيليين.

في المقابل، يتعامل الحوثيون بقسوة شديدة مع الموظفين المطالبين بصرف رواتبهم أو من ينتقد تفشي الفقر والجوع، ويتهم هؤلاء بأنهم «عملاء للأعداء».

ووسط خطاب تعبوي يُلزم الموظفين والمجندين والسكان في أحياء صنعاء بحضور التظاهرة الأسبوعية التي يقيمها الحوثيون في ساحة العروض الرئيسة بالقرب من المجمع الرئاسي (ميدان السبعين).

 

صور قاسم سليماني والمهندس تزاحم المتسولين في شوارع صنعاء (إعلام محلي)

صور قاسم سليماني والمهندس تزاحم المتسولين في شوارع صنعاء (إعلام محلي)

 

ويكون لزاماً على الحاضرين ترديد شعار الثورة الإيرانية والهتافات المنددة بأميركا، في حين يعتلي أحد قادة الجماعة المنصة للحديث بإسهاب عما يصفها بـ«البطولات الخارقة» وهزيمتهم للولايات المتحدة وإسرائيل. ويمتد هذا الخطاب إلى المساجد، حيث يُجزم الخطباء بأن الجيشين الأميركي والإسرائيلي يفرضان تعتيماً إعلامياً على هزيمتهما.

تغطية على البؤس

رصد نشطاء يمنيون تسجيلاً لأحد خطباء الحوثيين في مدينة إب وهو يُقسم بأن الجماعة، التي قطعت رواتب الموظفين منذ ثمانية أعوام، تمكنت من تدمير مقر جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، وأن حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور هربت من البحر الأحمر نتيجة ضرباتهم.

وفي محاولة لتبرير قرار الحوثيين وتسويقه بمنع تصوير المواقع التي تستهدفها الضربات الإسرائيلية ومن قبلها الأميركية، وكذا منع الحديث عن عدد القتلى نتيجة تلك الضربات، يجزم الخطيب بأن الدولتين تمنعان أيضاً تصوير المواقع التي أُطلقت نحوها صواريخ ومسيَّرات الحوثيين؛ حتى لا يُفتضح أمرهما أمام العالم!

 

مسن أنهكه البحث عما يُطعم به أسرته (إعلام محلي)

مسن أنهكه البحث عما يُطعم به أسرته (إعلام محلي)

 

وفي حين تروّج وسائل إعلام الحوثيين والمساجد عن نصر مزعوم على أميركا وإسرائيل، يسخر أحد سكان صنعاء واسمه الأول منصور من هذا الخطاب، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنها محاولة فاشلة من الحوثيين للتغطية على البؤس الذي يعيشه الناس والذي بات ظاهراً على الوجوه.

ويشير منصور إلى أن الفقر اتسعت مساحته لتمتد إلى كل الأرصفة والتقاطعات وأبواب المساجد وبالقرب من المطاعم، حيث ينتشر الآلاف من الباحثين عن لقمة عيش في صورة لم تعرفها البلاد منذ الإطاحة بنظام الإمامة مطلع ستينات القرن الماضي.

في حين يذهب ساكن آخر، وهو موظف حكومي ويدعى عبد الله، إلى التأكيد بأن الفقر والجهل والمرض تجثم حرفياً على المدينة، وأصبح يُشاهد في كل شارع وبيت، باستثناء قلة من الميسورين أو المستفيدين من الحرب، ويقول إنه يستحيل على شخص يعيش خارج المدينة منذ 10 سنوات أن يتصور الحال والمأساة التي يعيشها السكان وكل مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.

منع الحوالات بالدولار

بحسب ما أفاد به عاملون في قطاع الصرافة، فإن الحوثيين منعوا تسليم الحوالات الواردة إلى مناطق سيطرتهم بالدولار، وأنهم يقومون بجمع هذه التحويلات التي تُقدّر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً لدى وكلاء شركات الصرافة في الخارج ثم يقومون باستخدامها في فتح اعتمادات لاستيراد الوقود عبر الشركات التي أسسها قادة الحوثيين؛ لأنهم لا يمتلكون السيولة اللازمة لفتح مثل تلك الاعتمادات.

وطبقاً لهذه المصادر، فإن الحوثيين يصرّون على فرض سعر مُلزم للدولار الواحد بـ535 ريالاً يمنياً بينما سعره في مناطق سيطرة الحكومة تجاوز الـ2500 ريال وهو السعر الحقيقي بحسب تأكيدات تجار ومصادر في الغرفة التجارية تحدثت إليها «الشرق الأوسط».

 

حوثويون خلال حشد في صنعاء يرفعون صور زعيمهم وصورتَي قاسم سليماني وحسن نصر الله (إ.ب.أ)

حوثويون خلال حشد في صنعاء يرفعون صور زعيمهم وصورتَي قاسم سليماني وحسن نصر الله (إ.ب.أ)

 

وهذا الأمر يجعلهم - وفق المصادر - يستفيدون من هذا الفارق لأنهم لو أرادوا فتح اعتمادات مستندية سيكونون مُجبرين على شراء الدولار من مناطق سيطرة الحكومة بالسعر المختلف.

وذكر سكان في مناطق سيطرة الحوثيين أن فرع البنك المركزي في صنعاء كان ألزم شركات الصرافة بتسليم الحوالات المالية بالريال السعودي، لكنه عاد مؤخراً عن هذا القرار، وألزم الشركات العاملة في مجال الصرافة والبنوك بتسليم الحوالات بالريال اليمني فقط.

وأكد السكان أنه وفي حال أصر الشخص على استلام حوالاته بالريال السعودي، فإنه يُلزم بدفع فارق يصل إلى 2500 ريال يمني عن كل 100 ريال سعودي يتسلمها.

وطبقاً لتأكيدات مصادر حكومية وأخرى عاملة في المجال الإنساني، فإن تحويلات المغتربين اليمنيين حالت دون تفشي المجاعة في البلاد، حيث يتولى المغتربون مسؤولية قطاع عريض من السكان كما تُشكّل تحويلاتهم أهم مصدر للعملة الصعبة تتجاوز عائدات تصدير النفط خلال السنوات الأخيرة.

أنشطة منقذة

يأتي الواقع المأساوي في مناطق سيطرة الحوثيين في وقت أكّد فيه صندوق اليمن الإنساني أنه على الرغم من الانخفاض الحاد في تمويل الجهات المانحة، فقد ظلت هناك آلية تمويل مرنة وموثوقة لدعم الأنشطة الحيوية المنقذة.

وعلى مدار العام الماضي قال الصندوق الأممي إنه خصص 36.9 مليون دولار للوصول إلى أكثر من مليون شخص في تسع من المحافظات.

 

عنصران حوثيان خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

عنصران حوثيان خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

 

وأوضح الصندوق في تقرير حديث أنه اتبع نهجاً تصاعدياً قائماً على أساس المناطق لتحديد الأولويات، مُمكّناً الجهات الفاعلة الأقرب إلى الأشخاص المتضررين من توجيه عملية تحديد الأولويات بفاعلية؛ وهو ما ساعد على ضمان مواءمة المخصصات بشكل مباشر مع الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، استناداً إلى معلومات كاملة من المجتمعات المحلية نفسها.

كما حقق الصندوق الإنساني تقدماً ملحوظاً في تعزيز دعمه للجهات الفاعلة المحلية، حيث خُصص 70 في المائة من التمويل للمنظمات الإنسانية الوطنية، مقابل 44 في المائة في عام 2023.

وإلى جانب جهود التدريب وبناء القدرات الكبيرة، مكّنت هذه المخصصات الشركاء اليمنيين؛ ما ضمن أن تكون التدخلات أكثر ملاءمة للسياق وأكثر استجابة لاحتياجات السكان المتضررين. وفق ما جاء في التقرير.

متعلقات
مذكرات الشيخ فكري مهدي علي الدعجري آل فخر الدين العلوي عن مشيخة العلوي ومؤسسها الشيخ علي بن صالح فخر الدين العلوي (1619–1709م)
مركز الملك سلمان للإغاثة يختتم المشروع الطبي التطوعي لجراحة وقسطرة القلب في محافظة عدن
إغلاق "سوق السبت" في الغيل تورصة بالأزارق: شريان حياة يختنق.. ومعاناة الأهالي تتفاقم في صمت
رئيس وزراء فرنسا: سنعترف مع بريطانيا وكندا بدولة فلسطين
الشرطة العسكرية تعتدي على جرحى الجبهات المعتصمين في مدينة مأرب وتحميل صغير بن عزيز المسؤولية الكاملة عن الاعتداء