عندما يصبح الشباب هدفًا مباشرًا لخطر المخدرات، فإن المسؤولية لا تقع على جهة واحدة فحسب، بل على المجتمع بأكمله أن يقف موقفًا موحدًا، مدركًا حجم التهديد الذي يترصد بمستقبل أبنائه، والشر الذي يُغرس خُفية في نسيجه الاجتماعي.
في تاريخ 4 ديسمبر 2024، تمكنت قوات خفر السواحل بمحافظة المهرة من ضبط شحنة ضخمة من كبسولات البريجابالين، بلغ عددها نحو مليون وستمئة ألف كبسولة بتركيز 300 ملغ.
وتُعد هذه الكمية الهائلة مؤشراً خطيراً، لا سيما أن السوق المحلي يبيعها بأسعار زهيدة، ما يدل على أنها ليست موجهة للتصدير، بل تم تهريبها خصيصًا إلى الداخل، مستهدفة شباب المحافظات الجنوبية بشكل مباشر.
هذه الحبوب المخدرة، التي بدأت بالانتشار بين أوساط الشباب، ليست مجرد مؤثرات عقلية، بل أدوات قتل بطيء، تُغيب العقول وتُفقد الوعي، لتُنتج جيلاً يعيش في ظلال الإدمان، بعيدًا عن أي وعي اجتماعي أو مسؤولية أخلاقية.
وفي واقعة أخرى لا تقل خطورة، ضبطت قوات الحزام الأمني في مدخل رأس عمران ما يقارب 300 ألف كبسولة من ذات المادة، مما يؤكد وجود مخطط ممنهج لإغراق الجنوب بهذه السموم، في محاولة لشل طاقاته البشرية واغتيال أحلامه في مهدها.
ليست هذه الحوادث سوى أمثلة على سلسلة طويلة من محاولات إغراق السوق المحلي بهذه الكبسولات القاتلة. الهدف واضح: ضرب الشباب الجنوبي في صميمه، وتحويله إلى فئة مغيبة فكريًا وأخلاقيًا، تنغمس في سهرٍ ليلي ونومٍ نهاري، وتعيش لأجل جرعة جديدة فقط.
الإدمان لا يقف عند حدود الأذى الذاتي، بل يمتد ليخلق سلوكيات خطيرة قد تصل إلى الاعتداء على الأسرة، وابتزاز الأقارب، بل وحتى ارتكاب جرائم كالسرقة والقتل، فقط للحصول على المال لشراء هذه الكبسولات.
نحن اليوم أمام معضلة وطنية وأخلاقية من الطراز الأول. إن لم نتحرك جميعًا – شعبًا ومؤسسات – لإيقاف هذا الزحف السام، فسنواجه مستقبلاً مظلمًا، حين لا ينفع الندم.
وعلى وزارة الصحة واجب لا يحتمل التأجيل، يتمثل في النزول الميداني إلى المدارس والجامعات، وتنظيم حملات توعية بمخاطر المخدرات وآثارها الكارثية على الفرد والمجتمع، مع توفير برامج علاج سرية تحفظ كرامة المدمن وتحمي مستقبله، خاصة في ظل طبيعة المجتمع المحافظ الذي قد تدمره الوصمة أكثر من الإدمان ذاته.