أزمة كهرباء عدن تتفاقم رغم وفرة النفط... فهل الفشل إداري أم سياسي؟
النفط الخام لا يُستغل ومحطات الكهرباء تتوقف... أين تكمن المشكلة؟
اتهامات بـ"تسييس الخدمات" في عدن... والمواطن يدفع الثمن وحده
عدن من عاصمة مؤقتة إلى ساحة صراعات... من يوقف الانهيار؟
الأمناء – تقرير / غازي العلوي :
تعيش العاصمة عدن على وقع أزمة كهرباء خانقة، تزداد حدتها يومًا بعد آخر، حيث تشهد معظم مديريات المدينة انقطاعًا للتيار الكهربائي يصل إلى عشرون ساعة يوميًا، في مشهد أعاد إلى الأذهان سنوات الفوضى والشلل الخدمي.
ورغم وفرة الموارد النفطية في البلاد، تؤكد مصادر حكومية مطلعة أن النفط الخام لا يُصدّر ولا يُستخدم بالشكل الكافي لتشغيل محطات الكهرباء، الأمر الذي يزيد من تعقيد الأزمة ويفتح الباب لتساؤلات عديدة حول إدارة الملف الخدمي في عدن.
غياب المعالجات رغم تعدد الجهات
المفارقة، بحسب مراقبين، أن المجلس الرئاسي الذي يضم عدة تشكيلات وجهات معنية بالطاقة والاقتصاد، لم ينجح حتى الآن في تقديم حلول حقيقية أو حتى تفسير واضح لما يحدث، الأمر الذي يضع علامات استفهام حول مدى فاعلية هذا المجلس، وقدرته على التعاطي مع قضايا المواطنين.
يأتي ذلك وسط صمت رسمي لافت من قبل المجلس الرئاسي، ما فاقم حالة الغضب الشعبي وزاد من حدة الانتقادات الموجهة له، خاصة مع تزايد اتهامات بالتقاعس و"تسييس الملف الخدمي" في مدينة باتت تعاني من أزمات مركبة في الكهرباء والمياه والصحة والنقل.
عدن بين فشل الإدارة وصراع النفوذ
ويرى محللون أن استمرار الأزمة دون حلول يشير إما إلى عجز حقيقي لدى السلطات الشرعية عن إدارة القطاعات الحيوية، أو إلى وجود نوايا خفية لدفع عدن نحو مزيد من الفوضى المُمنهجة، خاصة في ظل ما توصف بأنها "صراعات نفوذ" بين أطراف متعددة داخل المدينة.
وفيما تتشابك الحسابات السياسية والاقتصادية في خلفية المشهد، يبقى المواطن العدني هو الضحية الأولى، حيث يجد نفسه مضطرًا للتأقلم مع واقع يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، دون أن تلوح في الأفق بوادر تغيير أو تحسين.
تساؤلات الشارع بلا إجابة
في شوارع عدن، لا يتردد المواطنون في طرح تساؤلاتهم بصوت عالٍ: هل عجزت الدولة عن إيجاد حلول حقيقية؟ أم أن هناك من يتعمد معاقبة المدينة؟ وبين غموض الموقف الرسمي وتدهور الواقع الخدمي، تتواصل معاناة سكان عدن مع الظلام، في انتظار ما قد تحمله الأيام القادمة من تطورات.
عقاب جماعي يتعرض له الجنوبيون وسط واقع مأساوي
تُعد أزمة الكهرباء في الجنوب ، واحدة من أبرز الأزمات التي تثقل كاهل المواطنين، لا سيما مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قاسية.
تتجاوز هذه الأزمة حدود الانقطاع التقني والخدماتي، لتتحول إلى عامل رئيسي في تعقيد الحياة اليومية، ومصدر معاناة مستمرة تؤثر على مختلف نواحي الحياة، من الصحة والتعليم إلى الاقتصاد والاستقرار النفسي والاجتماعي.
في صيف الجنوب، لا يواجه المواطن حرارة الشمس فقط، بل يواجه ظلامًا دامسًا، وغيابًا تامًا لأبسط مقومات الراحة.
انقطاعات الكهرباء المتكررة ولساعات طويلة تجعل من المراوح وأجهزة التبريد مجرد أدوات غير مجدية، ما يزيد من معاناة المرضى وكبار السن والأطفال، كما تتعطل الأعمال، وتتعرض الأجهزة المنزلية للتلف، وتُشل بعض المرافق الحيوية، في وقت يعاني فيه الجنوب أصلًا من ضغوط معيشية واقتصادية خانقة.
الأخطر من ذلك أن هذه الأزمة لا تُعد محض خلل فني أو تقصير إداري فحسب، بل أصبحت وفق العديد من المؤشرات وسيلة ضغط سياسي وسلاح حرب ناعم تُستخدم ضد أبناء الجنوب العربي لتركيعهم وإضعاف إرادتهم.
يُوظف الانقطاع المتعمد أو تأخير تزويد الوقود لمحطات التوليد كورقة ابتزاز، ضمن سياق الصراع السياسي القائم، مما يجعل المواطن البسيط يدفع ثمن صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل.
في مواجهة هذا الواقع المرير، لم يقف أبناء الجنوب مكتوفي الأيدي، فقد أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي، حملات ضغط ومناشدات للمنظمات الدولية والدول الداعمة، بهدف تسليط الضوء على هذه الأزمة والبحث عن حلول مستدامة.
حلحلة الأزمة ومواجهة الأعباء لن تتم إلا من خلال تعزيز الإدارة الذاتية للخدمات، والبحث عن مصادر بديلة لتوليد الطاقة، سواء من خلال الطاقة الشمسية أو دعم مشاريع صغيرة تُسهم في تخفيف العبء عن الشبكة العامة.
أزمة الكهرباء تكشف بوضوح عن حجم المعاناة التي يتكبدها المواطن الجنوبي، ليس فقط بسبب ضعف البنية التحتية، بل بسبب استخدام الخدمات الحيوية كوسيلة من وسائل الحرب السياسية.
وفي ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الماسة إلى حلول جذرية واستراتيجية، تضمن استقلالية القرار الخدمي وتمنع تسييس معاناة الناس.
الخروج من دائرة الابتزاز لن يتحقق إلا بتعزيز القدرات الذاتية، ورفع كفاءة الإدارة المحلية، والتكاتف الشعبي خلف مشروع وطني حقيقي يضع كرامة المواطن في مقدمة أولوياته.
فأزمة الكهرباء ليست مجرد عتمة مؤقتة، بل تحدٍ وجودي يفرض على الجنوبيين التوحد في مواجهته وبناء مستقبل أفضل لا تُقطع فيه الحياة كلما اشتدت حرارة الشمس.