حل الدولتين.. الجنوب والشمال
الامناء نت/خاص:

كتب : نوار المطيري

في خضم اللحظة التاريخية التي يعيشها اليمن، تتجلّى معادلة الاستقرار بوضوح غير مسبوق.

الجنوب، بقيادته السياسية والعسكرية المترابطة، يرسّخ خطواته كدولة تستعيد روحها وهويتها التاريخية، حيث تؤكد كل الشواهد أنها تمتلك مقومات الدفاع عن الذات، وتنهض بأعباء الواقع الأمني والإنساني بكل مسؤولية، في الوقت الذي تغرق فيه جبهات الشمال في مشهد ميداني مشلول، وتتراكم فيه الإخفاقات العسكرية وتتسع فجوات الانقسام السياسي.

حسب متابعتي الحثيثة، أرى أن القائد عيدروس الزُبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، يقدّم عبر خطاباته وتحركاته الداخلية والخارجية المتسارعة صورة واضحة عن دور الجنوب في صناعة التوازن الإقليمي.

فخلال ترؤسه مؤخرا اجتماعا عسكريا رفيعا في العاصمة عدن، شدد الزُبيدي على أن "المعركة مع الحوثيين هي معركة كرامة ووجود"، وهي معركة تفرض حسما كاملا، وتستلزم انتصارا مبنيا على التخطيط المشترك والانضباط الكامل وروح الفريق الواحد.

هذا الموقف يترجم إلى خطوات مؤسسية واضحة، في مقدمتها برامج التدريب والتأهيل المتصاعدة في صفوف القوات المسلحة الجنوبية، وتطوير الكوادر العسكرية بما يواكب تطورات الجبهات. الجنوب، بمنظومته العسكرية المتقدمة، يمضي قدما في تثبيت مشروعه الوطني، ويرسم معالم مستقبل ترفض أي شكل من أشكال فرض الوحدة مع اليمن بالإكراه.

في الميدان، وبسبب خيانة الإخوان، تبدو القوات الشمالية مجمدة الحركة، رغم ما تملكه من دعم وإمكانات، ولكن العالم يعلم أنهم غير قادرين على حسم المعركة، وهو ما يمنح الجنوب فرصة لإثبات جاهزيته الكاملة للمساهمة في المعركة الكبرى ضد المشروع الحوثي الإيراني الإرهابي، ولكن في المقابل لابد من ضمانات عربية ودولية تضمن احترام تطلعات شعب الجنوب العربي في السيادة وتقرير المصير واستعادة دولته التي اختطفتها الوحدة المشؤومة، ضمن إطار مشروع سياسي جديد وشامل.

الجنوب العربي، من وجهة نظري، بقيادة الزُبيدي، وقيادات المجلس الانتقالي الجنوبي الراسخة، يتقدّم برؤية شاملة تمتد من ميادين الدفاع إلى أروقة العمل الإنساني والدبلوماسي، حيث تتقاطع السياسة مع الضمير الإنساني في مشروع متكامل. حيث بات يشكّل المساحة الأكثر أمانا للعمل الإنساني الدولي. لقاء الرئيس الزُبيدي، مؤخرا، مع بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر مثلا، شكّل محطة فارقة، أكد خلالها حرص القيادة الجنوبية على تسهيل عمل المنظمات، وتوفير مناخ آمن للمساعدات الإنسانية والتنموية.

العمل الإنساني في الجنوب يمثّل حجر أساس في استراتيجية واضحة تعكس مسؤولية سياسية رصينة. الجنوب يتحوّل تدريجيا إلى منصة شراكة تنموية، ووجود منظمات كبرى على أرضه، وعلى رأسها الصليب الأحمر، يجسّد اعترافا ضمنيا بمكانته ككيان سياسي مسؤول يُدار وفق منظومة أمنية وقانونية راسخة.

في الجهة المقابلة، تواصل جماعة الحوثي تصعيدها العسكري والإعلامي، معلنة استهداف الملاحة الدولية وتهديد الاستقرار الإقليمي، ما يكشف عن تصدّع داخلي وقلق متنامٍ من اقتراب جبهات المعركة من عمق مناطق سيطرتها. مقابل ذلك، يتحرّك الجنوب بواقعية، يبني شرعيته عبر الانضباط، ويكرّس قدراته لتأمين الداخل والوفاء بالتزاماته تجاه شركائه الدوليين.

الجنوب يخوض معاركه بإرادة المبادرة ورؤية الدولة، في مسار يتوزع بين جبهات الدفاع وساحات العدالة، حيث تتكامل المهام ويتعزّز حضور الدولة. دعوة الزُبيدي إلى استئناف عمل المحاكم في عدن مثلا، تجسّد التزامه بمسار بناء الدولة القانونية، وتؤكد أن مؤسسات الجنوب تتحرك بانضباط يعكس تطورا نوعيا في المشروع الوطني الجنوبي.

من هذه المسارات، ترتسم ملامح رؤية سياسية متقدمة، يتجسّد فيها الجنوب كركيزة أساسية في معادلة الحل، وكمحرّك مركزي لتوازنات المشهد اليمني. ومع الإجماع الجنوبي المطلق الرافض لمشروع الوحدة (الفاشل)، وتزايد الثقة الإقليمية والدولية بقيادات المجلس الانتقالي، يفرض الجنوب معادلته السياسية المتقدمة: وهو خيار حل الدولتين.

دعونا نتفق أن اليمن الموحد، لم يعد نموذجا قابلاً للحياة، في ظل تعثّر مؤسسات الشمال لسنوات طويلة، على الصعد الإدارية والعسكرية والمؤسساتية، ولا شك أن استعادة دولة الجنوب لهويتها التاريخية المستقلة، قد يؤسس لشراكة بين دولتين متجاورتين متعاونتين، على قاعدة الاحترام والتكافؤ.

حل الدولتين في اليمن أيضا، وليس بين إسرائيل وفلسطين فحسب، يعبّر عن مسار عقلاني يجنّب اليمن مزيدا من النزيف، ويضمن ولادة كيانين مستقرين. جنوب يحكمه أبناؤه، يديرون مؤسساته، ويتعاملون بشفافية مع الشركاء الدوليين، أفضل من دولة مفككة تعيد إنتاج الأزمات والتطرف والانفلات.

ومع اقتراب المواجهة الكبرى ضد المشروع الحوثي، الجنوب يتقدّم في الصفوف الوطنية الأولى، ويعرض مشروعه البديل: الدولة الجنوبية المستقلة بحدودها التاريخية، ذات التصور الواضح والمعايير السيادية الواثقة، الذي يتجلى اليوم في كل مفصل ميداني، أمني، إنساني، وقضائي، وتظهر ككيان متكامل يحمل سمات الدولة الحديثة، ويُدير أدوات الحكم الرشيد ضمن مؤسسات تعي دورها وتنهض بمسؤولياتها بثقة، ويبرهن على ذلك تزايد عدد الشركاء الدوليين، والاهتمام المتصاعد بالاستقرار الجنوبي كمفتاح لأمن البحر الأحمر وباب المندب.

حان الوقت، لإسكات الطرف الحوثي الإيراني الإرهابي، ووقف خطابات التهديد الهشة، التي تكشف عن انفصال تام عن الواقع السياسي والعسكري المتغير. ولن يحدث ذلك إلا حين يبدأ الأطراف الدوليين بتطبيق ذات العدالة التي يطالبون بها في موضع آخر، وهي حل الدولتين اليمنية ودولة الجنوب العربي المستقلة، وإعادة مقعدها المسروق من الأمم المتحدة، كما كانت قبل العام 1994، ومنح المشروع السياسي الجنوبي الاستقلالية التامة على حدوده الطبيعية والتاريخية.

متعلقات
بيان شديد اللهجة من قضاة تعز بعد الاعتداء على القضاء
من يحمي (الريال اليمني) من أهله!؟.. البنك المركزي يحذّر من نتائج كارثية
محكمة إيرانية تحكم بسجن بحارين يمنيين 15 عاماً وتربط الإفراج عنهما بشروط
تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الاثنين بالعاصمة عدن
ممثلة حسناء تفضح نجوم ليفربول ومانشستر يونايتد