تحليل سياسي | منذ عام 2012، تمكن تنظيم الإخوان المسلمين – حزب الإصلاح – من التمدد داخل مؤسسات الدولة اليمنية، مستفيداً من فراغ السلطة بعد انتفاضة 11 فبراير، ومقصياً القوى الشبابية المستقلة من المشهد السياسي. وبذلك أصبح الحزب يتحكم في إعادة تشكيل الأجهزة الحكومية وفق مصالحه الخاصة، ليحجز لنفسه موقع الهيمنة المطلقة. ومع انقلاب الحوثيين في عام 2014، انسحب الإصلاح من صنعاء، لكنه نقل معه مفاصل الرئاسة والحكومة إلى الرياض، حيث أعاد إنتاج الشرعية كغرفة عمليات لحزب الإصلاح التابع للتنظيم الدولي للإخوان.
في عام 2015، وبعد تحرير الجنوب بدعم مباشر من التحالف العربي، انكشف الوجه الحقيقي للإصلاح. بدلاً من توجيه جهوده نحو تحرير صنعاء، انشغل الحزب بالسيطرة على مؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء، وأحاط الرئيس السابق عبدربه منصور هادي بطاقم كامل من الموالين له، مع عزل القوى الوطنية الأخرى، والتعامل مع القضية الجنوبية كملف ثانوي هامشي، لا كشريك أساسي في مشروع التحرير وبناء الدولة، رغم أن القوات الجنوبية كانت تحمي الأرض وتقاتل الحوثيين.
وعند إعلان قرار نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، كانت البنود واضحة. نص البند (ك) على أن القرارات تصدر بالتوافق، وفي حال غياب التوافق يتم الحسم بالتصويت مع ترجيح صوت رئيس المجلس، لضمان عدم انفراد أي طرف بالقرار. غير أن حزب الإصلاح تجاوز هذه النصوص، ومنح رئيس المجلس صلاحيات مطلقة، واستمر في احتكار مؤسسة الرئاسة عبر شبكة واسعة من الدوائر والإدارات التي وُضعت تحت هيمنته المباشرة، بقيادة عبدالله العليمي الذي تحكم فعلياً في كل تفاصيل المؤسسة، محركاً إياها وفق أجندة حزبه، ومقصياً بقية أعضاء المجلس من القرار، مما ساهم في تصاعد الأزمة إلى حد الانفجار.
أدى هذا الانحراف إلى نتائج كارثية على الأرض. ففي 2016، وصلت قوات الجيش الوطني المدعومة من التحالف العربي إلى منطقة نهم، وكانت على بعد 30 كيلومتراً فقط من مطار صنعاء الدولي، إلا أن تقدمها توقف، ما منح الحوثيين فرصة لاستعادة قوتهم وتعزيز مواقعهم. ثم توالت عمليات التسليم تدريجياً، فسقطت معظم المحافظات الشمالية في يد الحوثي، بينما ذهبت الأسلحة المقدمة من التحالف العربي للشرعية إلى مخازن المليشيا.
وفي معركة الحديدة، ظهر الوجه الحقيقي للحزب بوضوح، حيث تحركت قياداته في الخارج لعقد مؤتمرات وندوات تحذر من "الكارثة الإنسانية" إذا استمر الهجوم، ما دفع المجتمع الدولي للضغط على التحالف العربي، وأُجبرت القوات على الانسحاب، لتسقط المدينة وميناؤها في يد الحوثيين، وهو ما شكّل خيانة واضحة للتحالف.
وفي الجنوب، وجّه الإصلاح جهوده لمحاربة المجلس الانتقالي الجنوبي، معتصماً بالأزمات الاقتصادية والخدمية لتقليص حضوره السياسي والعسكري، رغم أن القوات الجنوبية كانت تحمي الجبهات وتدافع عن مكتسبات التحرير بدعم من السعودية والإمارات. أراد الحزب أن يجعل من الشرعية أداة لمحاصرة الجنوب، بدلاً من أن تكون أداة لتحرير صنعاء.
وهنا تتضح الحقيقة الكاملة: حزب الإصلاح لم يكن يوماً مشروعاً وطنياً، بل أداة لتنفيذ أجندة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تتوافق مع مصالح قطر وتركيا، ويتماهي مع الحوثي حين يخدم مصالحه. كل ما أنتجه الحزب هو الفشل والفساد، وكل ما حققه هو إطالة أمد الحرب وإغراق اليمن بالأزمات، فيما يوجه كل جهوده لمحاربة الجنوب ومشروعه التحرري، حيث تاجر بالسلاح وهرب من المواجهة المباشرة، محافظاً على وجوده ضمن جيوب محدودة في مأرب وأجزاء من تعز كغطاء لبقائه في المشهد.
الحل اليوم كما يراه الجنوبيون: لا يمكن بناء دولة أو تحرير صنعاء ما دامت مؤسسات الشرعية مختطفة بيد حزب الإصلاح. من وجهة نظر الجنوبيين، المطلوب التزام مجلس القيادة الرئاسي ببنود إعلان أبريل 2022، وعدم الانفراد بإصدار القرارات، ومراجعة كافة القرارات الغير معلنة والمنفردة من قبل رئيس المجلس، وإلغائها والعودة إلى مبدأ التوافق، مع الغاء هيمنة حزب الإصلاح الإخواني المهيمن على القرار في مؤسسات الشرعية اليمنية، وتشكيل قوى وطنية صادقة تمثل المحافظات الشمالية، تلتزم بهدف إعلان التحالف العربي باستعادة الدولة وأسقاط الانقلاب الحوثي، لا بأجندة تنظيمات عابرة للحدود، وعندها فقط يمكن للجنوب، ممثلاً بالمجلس الانتقالي، أن يلعب دوره الإيجابي إلى جانب التحالف العربي في معركة حقيقية لتحرير الشمال وإعادة القرار الوطني إلى مساره الصحيح.
إعداد: عبدالفتاح فريد السقلدي
باحث سياسي وإعلامي مختص بالشأن اليمني