في خضم التصعيد العسكري في المنطقة، والتقاطع المعقد بين الشعارات الثورية والمصالح الإقليمية والدولية، يبرز سؤال لا يمكن تجاهله: ما طبيعة العلاقة بين الحوثيين وإسرائيل؟ وهل ما يجري من تبادل ضربات واستعراضات عسكرية هو صراع حقيقي، أم مجرد مسرحية تخدم مصالح خفية على حساب الشعب اليمني والقضية الفلسطينية؟
التنسيق الخفي .. الضحية اليمن
لا يمكن قراءة الضربات الحوثية الأخيرة التي طالت إسرائيل حسب مزاعم إعلام الحوثيين بمعزل عن السياق السياسي العالمي الراهن. فالعالم يشهد تحولًا جذريًا في المواقف تجاه إسرائيل، بدءًا من اتساع رقعة الاحتجاجات المناهضة لحربها على غزة، مرورًا باعتراف العديد من الدول بدولة فلسطين، ووصولًا إلى خطابات دولية رسمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة تنتقد السياسات الإسرائيلية وتدعو لحماية الفلسطينيين.
في هذه الزاوية الحرجة التي تقف فيها إسرائيل أمام عاصفة دولية من الانتقادات، يظهر الحوثي كـ"منقذ غير مباشر"، يوجه ضربة إلى منشأة سياحية داخل الأراضي المحتلة كما يقول إعلامه لتستغلها إسرائيل في ترويج سردية "الضحية" مرة أخرى، أمام جمهور عالمي بدأ يتعاطف مع الفلسطينيين.
والنتيجة؟ تدمير جديد لمقدرات اليمن، قصف ميناء الحديدة، ومعاناة مضاعفة للشعب اليمني، الذي يجد نفسه يدفع ثمنًا باهظًا في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.
من أوصل الحوثيين؟ ومن سمح بالتوسع الإيراني؟
لا يمكن فصل صعود جماعة الحوثي إلى السلطة في صنعاء عام 2014 عن تساؤلات مشروعة حول حجم التواطؤ الإقليمي والدولي. فقد جاء هذا الصعود في وقت كانت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل تعيدان رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، وكانتا بحاجة إلى "أدوات ضغط" جديدة على خصومها الإقليميين، خاصة المملكة العربية السعودية ومصر.
هنا، تبرز مفارقة أخرى: من مكّن إيران ومن خلفها تيار "المقاومة" من بسط نفوذها في عدة عواصم عربية، مستخدمة شعارات مناصرة فلسطين، بينما كانت النتائج الفعلية هي تفكيك الدول، وإضعاف المجتمعات، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد لافتة؟
ضرب فلسطين من حيث لا تحتسب
يبدو أن الكيان الإسرائيلي لم يكن بحاجة إلى حرب شاملة لإضعاف القضية الفلسطينية، بل وجد ضالته في تفكك المحيط العربي وانقسامه. فمن جهة، تشهد العواصم العربية انقسامًا داخليًا حادًا بفعل تدخلات إيران تحت شعار "دعم المقاومة"، ومن جهة أخرى، تتكفل الجماعات التابعة لهذا المحور بإثارة الفتن والصراعات التي أنهكت المجتمعات ومزقت النسيج العربي.
وإذا كانت الضربات الحوثية قد تجاوزت الدفاعات الإسرائيلية كما يُروَّج فإن النتيجة لم تكن نصرًا لفلسطين، بل كانت تدميرًا للبنية التحتية اليمنية ومزيدًا من المعاناة لأبناء هذا البلد المنكوب.
وفي الختام.. ما يحدث اليوم ليس سوى تجسيد لتبادل أدوار مخيف، تقف فيه الشعوب العربية بين مطرقة التدخلات الخارجية وسندان الشعارات الزائفة. الحوثي، الذي يدّعي مقاومة إسرائيل، ينتهي به الأمر خادمًا لأجنداتها، سواء عن قصد أو دون وعي.
وفي ظل هذا المشهد المرتبك، يبقى الشعب اليمني، ومعه شعوب عربية أخرى، ضحية لصراعات لا تمثل مصالحه، ولا تعبر عن طموحاته، ولا تضع في أولوياتها كرامته أو أمنه أو مستقبله.