ذات عام في عهدٍ مضى أُعلنت عدن مدينة خالية من الأُمية، وذات أعوام عجاف كان التجهيل هو السلاح الأشد فتكا والذي استخدمه نظام الاستبداد والإقصاء لإفشاء الأمية في (مدارس التعليم) بأساليب وطرق ملتوية لتظل عدن في فخ موقوت تغفو فيه لتصحو على عالم مفجع لا يمت لريادتها ومدنيتها بصلة..
على صفحات (الأمناء) نناقش وضع التعليم في تلك السنوات العجاف، وسبل إنعاشه كخطوة أولى لعودة روح التعليم إلى عـدن، قلب الجنوب النابض..
لا تعليم دون صحة
من المؤكد أن تعزيز صحة المجتمع المدرسي يعد عاملاً مؤثراً في الاستفادة القصوى من العملية التعليمية .. وبرامج الصحة المدرسية في حقيقتها تعد شراكة تكاملية بين أطراف عدة، حيث تمتد آثارها لتشمل الجميع فهي ليست آثاراً آنية بل تراكمية تترسخ يوماً بعد يوم ونلمس فوائدها راجعة على المجتمع ككل ..
ضعف برامج الصحة المدرسية في مدارس عدن كان أحد نتائج تدهور التعليم الذي نناقشه في حلقات هذا الملف، حيث نضع في نهاية كل حلقة منه ملخصا لحلول يطرحها المتحدثون مساهمة في خطوات أولى لعودة روح التعليم إلى مدارس عدن ..
دورات المياه تهدد مجتمع المدرسة
اعتادت الطفلة فاطمة (ثالث ابتدائي) منذ ما يقارب الشهر على العودة من المدرسة قبل انتهاء الدوام المدرسي ، نتيجة لمعاناتها من اختلال في وظائف المثانة ناتج عن حبس البول لعدم رغبتها في دخول دورات المياه في مدرستها التي تقع على بعد ( كم ) من منزلها الكائن في أحد أحياء منصورة عدن .
(بدأت معاناة ابنتي من اختلال المثانة ـ كما شخصها الطبيب ـ منذ بداية العام الدراسي) .. تقول والدة فاطمة، وما زال الحديث لها (كنت قد ذهبت مع ابنتي في بداية العام الدراسي الجديد وطلبت منها ألا تدخل حمامات المدرسة بسبب الوضع السيئ من غياب النظافة وانعدام المياه، لكني لم أكن أعرف أن النتيجة ستكون سيئة في كل الأحوال).
واختتمت حديثها قائلة : (مدارسنا تفتقد لأبسط وسائل السلامة وأبناؤنا معرضون لحالات مرضية كثيرة).
كانت تلك واحدة من قصص كثيرة مشابهة، وربما أكثر سوءا .. فكيف يمكن أن تتوازن العملية التعليمية في ظل بيئة غير آمنة تجعل الطالب يعاني نفورا وفوضى وتمردا !
ميكروبات تقتحم المدارس!
عن التأثيرات الصحية لغياب النظافة في الحمامات المدرسية يقول الدكتور وهيب أحمد- طبيب أطفال, إن حبس البول قد يؤدي إلى ما يعرف (بالمثانة الكسلانة) حيث إن المثانة الممتلئة تفقد خاصية الانقباض, وهذا بدوره يؤدي إلى التهابات بولية وتضخم الكليتين وارتجاع البول من المثانة.
وأوضح أن هناك الكثير من الأمراض التي تنتقل في البيئة المدرسية لغياب النظافة والتعقيم, ومنها أمراض الميكروبات مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات والديدان المعوية.
(المقاصف) المدرسية بلا رقابة
ترى شادية عبد الرحيم – معلمة, أن هناك ضعفا كبيرا في عملية التثقيف الصحي , وتؤكد على ضرورة النزول الدوري للمقاصف والحمامات.
يؤيدها في ذلك حامد راجح – وكيل مدرسة فيقول : (نرى ضرورة وجود نزول دوري للمقاصف في المدارس للكشف الصحي ، فالصحة المدرسية هي مسؤولية الجميع، وهي عملية تكاملية مع العملية التعليمية).
وأردف: (عانت مدارس عدن كثيرا، ومازالت تعاني لكن نأمل أن يكون القادم أجمل).
من جانبها تقول الأخت هويدا عبد الله ـ وكيلة أنشطة مدرسية : (لبرامج الصحة المدرسية أهمية كبيرة من خلال التأثير المباشر على صحة أبنائنا الطلاب , لكن نلاحظ أن برامج الصحة المدرسية مازالت بحاجة إلى الكثير من الاهتمام من خلال الإشراف الصحي, ونرى ضرورة وجود مشرف صحي في كل مدرسة وروضة يكون لديه الخبرة الكافية والقدرة على العمل في هذا الجانب).
كانت هناك صحة !
معلمة ومربية تعمل في مجال التدريس منذ ما يقارب الـ (30عاماً) تروي لنا حادثة إصابة فتاة صغيرة في المدرسة ( قُطعت أصبعها ) ولم يكن هناك أي وسيلة أولية من أجل إسعافها!
وتستعيد المربية ذكرياتها حين كانت طالبة ضمن فريق الصحة المدرسية وكما تقول فقد كانت تلك المرحلة مزدهرة – حيث كان الطلاب ينظمون في مجموعات وتعقد لهم دورات تدريبية وتأهيلية ويعملون طوال أيام السنة الدراسية.. هكذا تستعيد ذكرياتها، وتأمل أن تعود عدن زاهية كما كانت ..
معاناة مستمرة
هناك عشرات من الطلاب في مختلف المراحل الدراسية يعانون مشكلة (حصر البول) .. هذا ما أفادت به تقية نعمان – استشارية تربوية، وتضيف : (يصبح الطلاب غير قادرين نفسيا على استخدام الحمامات في المدارس بسبب سوء نظافة دورات المياه وانقطاع المياه المستمر وانبعاث الروائح الكريهة, مما يؤدي إلى أن يصبح مستخدمها عرضة للأمراض لشدة تلوثها).
وعن الحلول لهذه المشكلة أرجعت المسؤولية على جميع الجهات ذات العلاقة منها وزارة التربية والتعليم ومكاتبها وإدارات المدارس ومكتب الصحة ومنظمات المجتمع المدني.
الصحة المدرسية .. متى تعود؟
من المؤكد أن فوائد برامج الصحة المدرسية تتخطى نطاق المدارس لتشمل المجتمع بأكمله، فالطلاب تتحسن صحتهم البدنية والنفسية من أجل استفادة أكبر من العملية التعليمية ، والبيئة الصحية تسهل عمل التربويين مما يمكنهم من أداء رسالتهم بكفاءة، ومن خلال ما طرحه المتحدثون نجد أن الحلول تتمثل في الآتي: