المجتمع المدني .. وهمٌ حاضر أم حقيقةٌ غائبة ؟! (تقرير)
استطلاع / دفاع صالح

في ظل أوضاع صعبة تعصف بالمجتمع وتحد من تطلعات الفئات المجتمعية الأكثر احتياجا، يزداد وبشكل ملفت إشهار تكتلات المجتمع المدني من مؤسسات ومنظمات ومراكز وجمعيات، والتي انتشرت على نطاق واسع وتجاوز عددها العشرة ألف – حسب إحصائيات البنك الدولي، ورغم تأكيد عدد من المهتمين والباحثين على أهمية الدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني من تعزيز الوعي الاجتماعي بمختلف القضايا، إلا أن آخرين يشيرون إلى عدة سلبيات وأوجه قصور في عمل هذه المنظمات رغم تناسلها المضطرد..

نقف هنا للحديث عن تلك الآراء من خلال الاستطلاع الآتي ..

شفافية غائبة

يتحدث الناشط المجتمعي سعيد القدسي عن وجود فساد كبير يتخلل قطاع المنظمات (ويحدد المنظمات العاملة في مجال التوعية والتأهيل وحقوق الانسان)، ويوضح أن من أبرز أنواع الفساد المالي التحايل بالإخلاءات المالية بتباين شديد وكبير بين الوثائق المقدمة للمانحين وبين القيمة السوقية للخدمات التي ترافق سير عمل المنظمات.
ويرجع أسباب تلك الاختلالات إلى عدم مرونة المانح في عقود الاتفاق من ناحية ومن ناحية أخرى طلب المانحين مساهمة مجتمعية من منظمات ناشئة.

ويضيف: (هناك غياب للدور الرقابي لوزارة التخطيط بل يتعدى الأمر إلى التعامل والسمسرة بين إدارات الوزارة وبعض المنظمات الدولية وهذا من شأنه إتاحة مساحة واسعة للمنظمات المحلية لممارسة فسادها المالي وبالتالي التأثير على مصداقيتها إذ لا تعد في مثل هذه الظروف أكثر من (دكاكين) لصرف التزامات المانحين).
وينوه القدسي إلى غياب الشفافية ومعايير العمل المؤسسي، لكنه يؤكد على أهمية منظمات المجتمع المدني ودورها في التنمية وتأهيل القيادات الشابة وتعزيز المشاركة المجتمعية في الحوار ودعم الرأسمال الاجتماعي المتمثل بالمبادرات الشبابية التطوعية.

تكامل الأدوار .. غائب

وفي الاتجاه ذاته تؤكد سماح جميل – المدير التنفيذي لمركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، أن دور منظمات المجتمع المدني يعد دورا تكامليا وتفاعليا مع الأجهزة الحكومية المختلفة في تنفيذ مختلف المهمات والأهداف ذات العلاقة بالمجتمع وتنميته وتطوره.

وتشير إلى وجود العديد من المعوقات والصعوبات التي تعيق المنظمات في أداء أدوارها ومساهمتها في خدمة المجتمع. 

وتقول في ذلك: (أبرز هذه الصعوبات غياب استيعاب المسئولين لأهمية منظمات المجتمع المدني، ولهذا نجدهم لا يتفاعلون بشكل إيجابي مع دور المنظمات، إضافة إلى غياب كل صور الدعم التي يمكن أن تقدم للمنظمات بما يمكنها من القيام بدورها في خدمة المجتمع، وهناك غياب لدور القطاع الخاص، الذي من المفترض أن ينتقل إلى مجال الشراكة مع منظمات المجتمع المدني لتقديم العون وخدمة المجتمع والمساعدة في حل مشكلاته.. لكن للأسف القطاع الخاص يبحث فقط عما يمكن أن يحققه من أرباح سريعة حتى ولو كان على حساب حقوق الناس ومتطلبات حياتهم).

ضرورة للحاضر والمستقبل

الناشطة وفاء الحكيمي تشيد بدور منظمات المجتمع المدني بالنهوض بواقع المرأة والاهتمام بإبراز قضاياها ضمن أولويات العمل المجتمعي، ومن وجهة نظرها فإن تفعيل الأدوار المختلفة لمنظمات المجتمع المدني بات ضرورة من أجل الحاضر والمستقبل.

وتقول: (من الملاحظ ازدياد منظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورة  2011م، حيث يعول على إنشائها الكثير من الأدوار، منها رفع الوعي الاجتماعي، ونشر مفاهيم المدنية حول المواطنة وحقوق الإنسان، وهذا ما تضمنته أيضا مخرجات الحوار الوطني بالشراكة مع بقية شرائح ومكونات المجتمع، ولكن ما يجب الإشارة إليه هنا هو أنه ليست جميع هذه المنظمات فعالة لأجل الهدف الذي أُنشئت لأجله، وخاصة تلك المعنية بحقوق الإنسان حيث أنها لا تعمل بشكل محايد دون الانحياز لطرف أو جهة معينة).

استغلال موارد

في رأي الأخ علي سلام أن منظمات المجتمع المدني في اليمن أغلبها مرتبطة بالدولة وليس لها استقلالية سوى القلة منها وهي لا تقوم بدورها وفقا لمهامها أو أنظمتها الداخلية، ويضيف: (هي عبارة عن أماكن حاضنه للوظائف والتوظيف والبعض استغل موارد هذه المنظمات لتكوين خزينة للربح وتحويلها للمصالح الشخصية، ولكن بالمقابل هناك منظمات لا تذكر تقوم بجزء من مهامها المرسومة، ولكن القائمين عليها يتعرضون إلى ضغط الترهيب والترغيب من قبل أجهزة الدولة المتنفذة والعمل على عرقلة عملها إضافة إلى عدم وجود دعم خارجي واضح لهذه المنظمات نتيجة لكثرتها وتشابه مهامها وتحركاتها).

المجتمع المدني .. نقلة نوعية

وتؤكد هدى الصراري- المدير التنفيذي لمؤسسة الوضاح على أهمية النقلة النوعية التي عملت بها منظمات المجتمع المدني، وتقول: (إذا نظرنا عن كثب سنلاحظ أن منظمات المجتمع المدني بكل تخصصاتها وتنوع مجالات العمل فيها فإنها تصب في مصلحة الوطن أولا وأخيرا وذلك من خلال تناول القضايا الوطنية التي تمر بها البلد بحيادية تامة منطلقة من مصلحة الوطن والمواطن بعكس الأحزاب والتنظيمات السياسية التي أثبتت فشلها في قيادة المرحلة الحرجة التي مر بها الوطن كونها تناقش القضايا من مصلحة الحزب وكيفية الوصول للسلطة مما أدى إلى فقدان ثقة المواطن البسيط بهذه الأحزاب).

وتردف قائلة: (من الملاحظ إقبال الشباب وقطاع المرأة بكثافة على منظمات المجتمع المدني والعمل بجد على مختلف الأصعدة والاتجاهات القانونية والسياسية والاقتصادية ورفع الوعي المجتمعي بإشراك قطاعات المجتمع المحلي والنزول إلى الميدان وتلمس الهموم والمشاكل ورفعها على شكل توصيات ومخرجات ترسم من خلالها الخطط والبرامج وتقديمها للجهات الحكومية والمانحة لإقامة المشاريع التنموية التي تخدم المجتمعات المحلية أولا، وثانيا تذليل الصعوبات أمام الجهات الحكومية في الوصول إلى قاعدة المجتمع المحلي).

وتشيد الصراري بالأدوار التي تلعبها منظمات المجتمع المدني في مناصرة الكثير من قضايا حقوق الانسان ورصد الانتهاكات في مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية، والمساندة في مناهضة العديد من القوانين التمييزية بحق المرأة، ومناهضة العديد من الظواهر الدخيلة على المجتمع.

وترى أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني أهمها عدم وجود الدعم الحكومي بالإضافة إلى غياب التنسيق والعمل المشترك بين منظمات المجتمع المدني العاملة في مختلف المجالات.

تفريخ قانوني

تؤكد الدكتورة ثائرة شعلان، في دراسة لها بعنوان (المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في اليمن) أن بعض العاملين في المنظمات غير الحكومية يرون أن  وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل جهة غير محايدة في عملها، مستدلين بتفريخ الوزارة لعدد من المنظمات الأخرى بهدف التشويش على عمل المنظمات الحقيقية مما اضطر البعض منها إلى التهرب من التسجيل لدى الوزارة. وبحسب الدكتورة شعلان، فإن هناك ظاهرة جديدة وهي ظاهرة المعاهد والمراكز العاملة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكنها لاحظت أن هذه المراكز لم تسجل نفسها لدى وزارة الشؤون الاجتماعية وإنما لدى وزارة الثقافة وبعض المؤسسات والهيئات الأخرى لكي تبحث لها عن مخرج قانوني.

إجراءات وعقوبات

 يعطي القانون رقم (1) لسنة 2001م بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الكثير من الصلاحيات، بحيث إذا طبقت بعدالة متساوية، لقللت هذا التناسل في حجم هذه المنظمات ووجهت أعمالها فيما يخدم التنمية.

وبعد أن أعطى القانون الوزارة حق الإشراف القانوني والرقابي على أوضاع هذه الجمعيات والمنظمات، يحدد عدد من الشروط عند تأسيس أي منظمة كمطالبته بنظام أساسي يتضمن كل شؤونها التنظيمية والمالية والإدارية. ويحدد ضرورة تضمين الوزارة بطريقة الموارد المالية للجمعية أو المؤسسة ومصادرها وأوجه استخدامها والتصرف فيها. وتؤكد مادة (19) من القانون أنه لا يجوز للجمعيات أو المؤسسات الأهلية ممارسة أنشطة ذات طابع حزبي أو مزاولة أعمال الدعاية الانتخابية أو القيام بتسخير جزءٍ من أموالها لهذه الأغراض بصورة مباشرة أو غير مباشرة..

 

سؤال ينتظر الإجابة

 ويحدد القانون عددا أخر من الاجراءات والعقوبات في حال المخالفة تصل حد الحل والتصفية، لكن أي من تلك الإجراءات لم تطبق حتى الآن وربما كان ذلك سببا في الازدياد المضطرد لتلك التكوينات خلال الفترة الأخيرة .. فهل التسابق على إشهار منظمات مجتمع مدني يقابله تسابق بمسئولية وشفافية على العمل المجتمعي النوعي ؟ّ!

سؤال ينتظر الإجابة ليس بشعارات رنانة وإنما بمفردات تطبق على أرض الواقع ..

 

 

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني