لا يعد الشيخ الجليل الأخ صالـح فريد العولقي معلماً وطنياً فحسب، بل شيخ كبيراً و أحد مراجع العوالق.. وتاريخ الـ فريد في العمل الوطني تاريخ مجيد لا يستطيع أن ينكره أحد، وسيطول الحديث لو كتبنا عن حياته ودوره الوطني والقبلي، سنضطر للخروج عن السياق الذي أريده - وهذا فوق طاقتي - وإنما أنا هنا بصدد الحديث عن المؤتمر الوطني الجنوبي الجامع، وذلك بصفة الشيخ صالح رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر. وحقيقة لا تربطني علاقة خاصة به، ولم يساعدني الحظ أو يكون لي شرف الجلوس معه، التقيته مرتين فقط في لقاءات عامة (هاي باي)، عندئذ أقول لشيخنا إن شعبنا الجنوبي يعيش مرحلة صعبة ومعقدة ودقيقة في تاريخه.. سلبت أرضه وتاريخه، الأمر الذي يفرض على الشرفاء المخلصين العقلاء - أمثال الشيخ - من أبناء الجنوب ضرورة العمل والمراجعة التاريخية لدراسة كل الجوانب التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.. دراسة علمية واقعية بعين فاحصة، تعكس عن مدى حدود قدرتنا، وتدرك بعمق من فينا يستطيع أن يتحمل مسؤولية مراجعة التعقيدات والتراكمات التاريخية - إيجابا وسلبا - التي صنعناها بأنفسنا لأنفسنا في مختلف المراحل، سواء كانت في مرحلة الوجود البريطاني أو حكم الحزب الاشتراكي اليمني أو حقبة الوحدة المغدورة، باعتبار أن بقايا وذيول تلك المراحل وبالذات الأولى والثانية مازالت موجودة، أما الأخيرة فمشكلتنا جميعا.
لذلك، نتمنى على المؤتمر الوطني الجنوبي الجامع أن يكون في مستوى التحديات الداخلية والخارجية التي لم تعد تسمح لأحد بترف مجاراة المشاعر الغاضبة والانفعالات الوقتية من هذا الفصيل أو المكون أو ذاك، وإنما مصلحة شعبنا وحدها هي التي تحدد وتقرر اتجاه البوصلة لدى كل الوطنيين - وليس الأدعياء - بما في ذلك الشرفاء من إخواننا الجنوبيين الذين مازالوا في السلك العسكري والمدني، وعلى رأسهم الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي عمل كل ما في وسعه للقضية الجنوبية، ومن غير الممكن والمعقول الوصول إلى تحقيق الهدف المنشود لشعبنا دون الحوار والتنسيق معه ومع الجنوبيين في السلطة من فوق الطاولة أو تحتها، فلا نكذب على أنفسنا وعلى شعبنا، ثم نردد نفس الإسطونة المشروخة (هذا لا يعنينا) طالما مازلنا مؤمنين بالحراك الوطني الجنوبي السلمي، أما إذا قرر حـمران العيون طريق عكس ذلك فلكل حدث حديث، ولكن يبدو أن بعضنا يهزها وهي في الـجفير.
ولذلك، نحمد الله ونسجد له شاكرين على أن لدينا شعب استوعب الدرس واستشعر الخطر والمخططات والخيانات السابقة واللاحقة، ومن الذي ورطنا، خاصة أولئك الذين حكمونا بالأمس، فقد حـملناهم على بساط الريح، ثم سلمونا – مع السكين - للرئيس المخلوع ليذبـحنا به من الوريد إلى الوريد، وأقصد الجميع بما في ذلك أصحاب السبعينات، كل طرف كان يتآمر على الثاني، حتى هزمنا الجميع في ميدان المعركة في 7 يوليو 1994 – وكاتب هذه السطور من بينهم – وياليت أننا انتحرنا في ميدان المعركة على طريقة (الـهاراكيري) التي كان يقدم عليها مـحارب الساموراي الياباني عندما يتعرض للهزيـمة، ولكننا (جبناها الـملب) وتركنا شعبنا يترنح، علماً أن القيادات التي قادت الجيش الشمالي لقتال الجنوبيين هي نفس القيادات التي هزمت جيش الشمال في عام 1972 وهزمت علي عبدالله صالح وجيشة في عام 1979م. ولعل الحراك الوطني الجنوبي الذي خرج من القمقم في 7 يوليو 2007م، بقيادة العميد ناصر علي النوبة ورفاقه الأبطال ومشاركة شعبنا العظيم بمختلف فئاته جاء ردة فعل ونوع من الاعتذار التاريـخي ليس لـهزيـمتنا في 7 يوليو 1994م فحسب، بل لكل ما فعلناه من كوارث ومصائب في حق شعبنا ووطننا.. فقد أخرج الحراك الوطني الجنوبي أفضل ما فينا، وفي نفس الوقت أخرج أسوأ ما فينا، وعرفنا من الذي باع ومن الذي اشترى، وبالتالي يعتبر الاعتصام في ساحة العروض في مدينة خورمكسر امتداد طبيعي تاريخي لـمسار الحراك الوطني الجنوبي، لا اشتراكي ولا ماركسي ولا مؤتمري ولا بعثي ولا ناصري ولا ديني، بل هو كل الجنوب بشكل (مصغر)، فأين المؤتمر الوطني الجنوبي الجامع؟! وهل المؤتمر الوطني الجنوبي الجامع قادر على أن يكون وعاء تنظيمي كبير يجسد في إطاره كل شرائح المجتمع الجنوبي، ليكون خلافاً للمكونات والأحزاب، أو سينتهي به المطاف إلى مكون؟ فالعبد الفقير لله لم يطلع على وثائق المؤتمر الوطني الجنوبي الجامع، ولا يعلم هل تنص وثائق تأسيسه على قاعدة التمثيل الوطني لمحافظات الجنوب الست بالتساوي، مع إعطاء اعتبار خاص لعدن + حضرموت، أو على أساس مكونات وأحزاب وشخصيات معينة؟ ففي تقديري الشخصي لو أقر مبدأ التمثيل الوطني سيكون عنواناً كاشفاً لمدى صدق والتزام المؤتمر الوطني الجنوبي الجامع ومن يمثله بالجوهر الحقيقي للوحدة الوطنية الجنوبية، من خلال اشتراك ممثلين لكل محافظة، يتصفون بالصدق والأخلاق والترفع عن الأنانية والنأي عن المظاهر وحب الذات، كون اختيارهم تم من قبل محافظتهم، وليس اختيار انتقائي على طريقة الحزب الاشتراكي، ربنا لا يوفقه .فـأنا - كما يبدو – عقلي تخشب ولم أعد أفهم بعض البرامج السياسية التي تؤكد على أن الجنوب القادم سيكون بناء دولة مدنية حديثة تعددية ذات حكم فدرالي، في حين يسعى أصحاب تلك البرامج أو بعضهم لعقد المؤتمر الجامع على أساس مكونات وليس على أساس التمثيل الوطني، كيف ذلك؟ أفيدونا الله يرحمكم.
مقالات أخرى