تتناول وسائل الإعلام التي انتشرت وتكاثرت وتنوعت في كل يوم بل في كل لحظة العديد من الأحداث الطارئة التي لا تخلو أية قناة إخبارية منها بشكل يومي ومتكرر حتى صار المتابع لحركة الأحداث يسمع ويرى أخبار الكوارث والحروب والفتن ولا يتأثر كثيراً بل انه قد لا يكترث لذلك وكأنه يسمع مجرد خبر عادي جداً لا يحمل أية معاني أو دلالات إنسانية كما أصبحنا نشاهد ونرى وبتقنيات عالية أفلام تسجيلية لعمليات الإبادة الجماعية و إعدام وذبح البشر لبني جنسهم باستخدام مبررات مختلفة لا تمت إلى الأديان أو الأخلاق او الأعراف الإنسانية بصلة وفي الوقت الراهن شهد العالم نشوء دويلات وانهيار وتفكيك دول قائمة وأصبح ذلك مألوفاً لدى الجميع .
وعند إمعان النظر فيما تقدم يستطيع المتابع الحصيف أن يستنتج بعض المشاهدات العامة من خلال رصد وتكرار أحداث بعينها وبطرق مختلفة ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى بعض تلك المشاهدات على النحو التالي :
وهناك جملة اخرى من المشاهد التي يمكن استخلاصها من خلال المتابعة والرصد والتحليل وجميعها تقودنا إلى التسليم بوجود سيناريوهات محددة ومتعددة وتشمل كل الاحتمالات الممكنة لإدارة الصراع وصناعة الأحداث في العالم .
وذلك يعني وجود إرادة ما تسيطر على المسار العام للتوجه الدولي وبناء على ذلك وطالما ان مايسمى الجمهورية اليمنية واقعة تحت الإشراف والرعاية الدولية التي يدير من خلالها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة كل الاختلافات والصراعات السياسية فأنني في هذه المتناولة البسيطة سوف استعرض بعض الملامح التي قمت برصدها بشكل عفوي لبعض الأحداث المتلاحقة والتي أعتقد انها كانت مقدمات ضمن سيناريو كبير واصبحت إحدى نتائجه وصول هادي الى عدن .
لاحظوا التسلسل التالي للأحداث :
حيث جرى الاعتذار وبذل الجهود الكبيرة في سبيل حصر الشهداء والجرحى الذين وقعوا ضحية بطش قوات سلطات الاحتلال ومحاولة صرف التعويضات لهم دون سواهم من شهداء الحراك طوال السنوات الماضية وذلك كان بمثابة إقرار بأن هادي شخصياً كان وراء اصدار التعليمات القهرية بعدم السماح للحراك بتنظيم مهرجان احتجاجي على قتل المتظاهرين في نفس اليوم في السنة الماضية وهو التاريخ الذي تمت فيه مسرحية الانتخابات الرئاسية لهادي دون منافسة وقد قاطعها الحراك الجنوبي وسقط حينها شهداء وجرحى برصاص سلطات الاحتلال, أما بشأن محاولة الاعتذار وبصرف النظر عن قبول أو عدم قبول الأهالي لذلك إلا أن هذا التصرف الانتقائي قد عكس توجه ما للرئيس هادي أو انه كان بمثابة التمهيد لاستحقاق قادم ربما لم يكن يعلمه هادي ذاته .
وهذا الأمر تم خلال عام 2014م أثناء زيارة وزير الدفاع السابق محمد ناصر احمد الذي قضى عدة أيام في محافظة أبين تم خلالها العمل على جمع جميع عناصر اللجان الشعبية في ملعب الوحدة وتهيئتهم للمهام القادمة .
وقد حدث ذلك بعد ان تم السماح لمليشيات أنصار الله بالدخول الى صنعاء ضمن سيناريو أخر مرسوم بكل عناية الى ان وصل بهم الأمر لمحاصرة الرئاسة وكان من الملاحظ عدم وجود استبسال في مقاومة دخولهم التدريجي الى صنعاء انتهاء بمنزل الرئيس شخصياً وبدلا عن ذلك لاحظنا ان قائد حرسه قد انتقل الى الجنوب واستطاع ان يجري الترتيبات اللازمة لاستحقاقات قادمة .
بعد كل التجهيزات واللقاءات مع اللجان الشعبية كان لابد من اختبار جاهزيتها فتم وكنتيجة رد فعل بدت طبيعية ان يتم استنفار اللجان الشعبية التي زحفت الى عدن بعد الهجوم على منزل هادي وانتشرت فترة من الزمن ثم عادت أدراجها الى أبين .وقد كان هذا الأمر بمثابة البروفة الأخيرة للانتشار والزحف السريع الى عدن .
بعد إعلان استقالة هادي ثم إعلان بيان رقم 1 من أنصار الله وتكليف رئيس اللجان الثورية بتولي الأمور كان المبرر كافياً لإعطاء الإشارة لتنفيذ الزحف الى عدن والسيطرة على المنشئات والمواقع والتواجد بشكل كثيف في عدن وقد تم ذلك وبطرق فيها نوع من الاستحواذ و يحقق الأمن والسلطة لصالح جهة بعينها وبنفس الوقت كان لابد من أن تنشغل كتلة بشرية كبيرة من المقاتلين والرجالفي جبهة أخرى لمواجهة هجوم محتمل وتحييد بقية الجهات او العمل على إبقائها في مواقعها لمواجهة أية أخطار محتملة وكان ذلك مبرراً وواقعياً للغاية.
الطريقة التي تمت لإخلاء السفارات الأجنبية كانت غريبة حيث تم الإخلاء والتدمير لبعض المقتنيات والإحراق وترك المباني بشكل كامل يوحي بأن المغادرة نهائية وليست مؤقتة كما ينذر بأن فوضى قد تحدث في أية لحظة مما جعل الكثير من المراقبين في حالة توجس وحذر وربما ان تلك السفارات قد حسمت أمرها بالانتقال الى عدن او أية جهة أخرى مؤقتاً .
كانت تلك المحاولة لعقد ما سمي اللقاء الوطني الشامل عجيبة وغريبة حيث تم التداعي لعقد ذلك اللقاء بشكل لم يضع أية اعتبارات للحراك لإرادة الجماهير الثائرة في العاصمة عدن مما جعل قوى الحراك على اختلاف أطيافها تستنفر كل الجهود لمنع تلك الاهانة البالغة للشعب الجنوبي وفعلاً تم منع اللقاء والغريب في الأمر هو ذلك الإصرار على ان يخرج بيان باسم اللقاء دون ان ينعقد أصلاً كما أنه تمت قراءته قبل حفل الغداء وفي وضع الوقوف وبشكل عبثي يدعو للسخرية وذلك يعني ان هذا الإصرار كان وراءه ضرورة ان يتم الإعلان عن مخرجات معينه كيفما اتفق لإعلان عدن عاصمة لليمن وإدانة ما سمي الانقلاب الحوثي .
تم إعلان خلال اليومين الماضيين أن قناة عدن سيتم إعادة البث الفضائي منها بشكل مستقل عن صنعاء وهذا كان عبارة عن إعلان الجهاز الإعلامي الرسمي البديل والذي سبق وإن تم إعلانه عشية السيطرة الكاملة للحوثيين على القنوات في صنعاء .
وتسارعت الاحداث واكتمل الانتشار للجان الشعبية وكان لزاماً على اللجنة الأمنية ان تجتمع للتمهيد للسيطرة على العاصمة وأصدرت قراراتها خلال الأسبوع الماضي بعدم حمل السلاح والتجول به في عدن وهذا يعني استثناء جميع المسلحين من غير عناصر اللجان الذي تم تحديدهم سلفاً .
وأخيرا تمت عملية نقل هادي من صنعاء إلى عدن بطريقة مثيرة وغامضة لازالت غير واضحة بالشكل المطلوب .
وختاماً لهذه المتناولة العاجلة فأنه سوف يتم تناول الموضوع بالتحليل والدراسة واستخلاص مايمكن ان تكون عليه الأمور خلال الفترة القادمة في ضوء السيناريو الدولي في المنطقة الذي يتضمن إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة بشكل عام وفق معطيات ومعايير سيتم التطرق لها لاحقاً في حلقة قادمة إن شاء الله .
مدير منتدى مركز مدار للدراسات والبحوث
مقالات أخرى