الإهداء: إلى روح صديقي ورفيق رحلة الكفاح المرير الشهيد البطل العقيد/ أحمد عامر الحريري، رئيس المجلس الوطني-الضالع، الذي التحق بموكب الشهداء اليوم،٢١/٧/٢٠١٥م، وإلى كل شهداء الجنوب الأبرار.. فلتستنبل تضحياتكم وطناً حراً، تظلله أرواحكم الطاهرة.
شعب الجنوب الأبي الثائر.. شعب يقاوم باستبسال وصمود أسطوريين، يقدم خيرة أبنائه وأشرفهم شهداء وجرحى، ويتحمل تبعات الحرب: تشرداً وحصاراً ودماراً.. الخ، بإرادة لم تنكسر أمام قوة وهمجية وانكشارية قوات الحلف الشيطاني الحوفاشي، منذ ما يقارب أربعة أشهر ومابرح يقدم الأرواح والدماء ومستفيداً مما يقدمه التحالف العربي، ومن غطائه الجوي الفاعل _لاشك_ وذلك من أجل تحطيم قيود عبوديته، وليس من أجل تثبيتها وفولذتها، وهو ما لن يأتَّي إلا بتحرير أرضه من الاحتلال البربري، الذي يسعى في حربه الراهنة إلى تجديد غزوة ١٩٩٤م، لإبقاء الجنوب غنيمة أبدية له.
السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه _في هذا السياق_ هو: هل حدث في التاريخ أن شعباً يقاتل، يحارب، ويقدم التضحيات الجسيمة: أرواحاً ودماء ...الخ، من أجل الإبقاء على أغلال عبوديته، وليزيت بدمائه الزكية أسنان مقصلة امتهان كرامته ومصادرة كل حقوق آدميته، ومحو وجوده، وهلم شراً؟؟!!
إن هذا _كما تكشف المؤشرات والمعطيات_ ما يخطَّط لفرضه على شعب الجنوب، من قبل الاحتلال (الطرف المهزوم في صنعاء المسنود من التحالف العربي للأسباب المعروفة) وبمساعدة قيادة التحالف العربي _بالطبع_ وذلك بصورة شديدة السفور والصلف، استخفافاً ليس بالعقل الجمعي الجنوبي فحسب؛ بل وإهداراً مهيناً لتضحيات شعب الجنوب، فلا يقيم وزناً للأرواح التي أزهقت، والدماء التي أهرقت، فضلاً عن التجاهل الاستكباري المقيت لمشاعر شعب وتطلعاته العادلة، ولآلامه وأحزانه، واستهتار لا أخلاقي، بإرادة شعب الجنوب الأبي، ...الخ.
ولاريب بأن كل ذلك، بما هو إعادة إنتاج شائهة لاستراتيجية الاحتلال السياسية نحو الجنوب: الأرض والإنسان، من احتلال دولته عام 1994م، يراد فرضها اليوم بغطاء التحالف العربي وقوته، لكن ذلك يشكل _عقلاً ومنطقاً_ اتجاهاً سياسياً غير بريء، يخدم الاحتلال بشقيه (المقيم في الرياض، والمحارب على الأرض) وليس من مصلحة التحالف العربي وأهدافه المحركة لخوض هذه الحرب (كما استوضح ذلك في السياسة أدناه).
ألم تستشعر قيادة التحالف خطر هذه السياسة الاستفزازية.. الاستعدائية تجاه شعب الجنوب؟! ثم أليس بديهياً أن يُطرح سؤالٌ إجابته ملموسة ومشاهدة على الأرض هو: لماذا يقاوم شعب الجنوب ويحقق الانتصارات بينما شعب الشمال (اليمن) لم يقاوم؟؟!
الإجابة ببساطة متناهية هي أن شعب الجنوب يقاوم حرباً مستمرة عليه منذُ عام احتلال دولته: 1994م، بكل وسائل وأساليب النضال قاوم، ومنذُ 7/7/2007م أخذ بأسلوب النضال السلمي، كأسلوب حضاري مدني مفتوح الخيارات، لتشتعل ثورة شعبية سلمية تحررية منذئذٍ، قدم خلالها (على مدى ثمانِ سنوات) قافلة طويلة من الشهداء والجرحى (مايقارب 2000 شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى)، كانت الملايين تخرج إلى ساحات وميادين الثورة، رافعةً علم دولتها وسقط المئات بين شهيد وجريح وهم يحملون هذه الراية _الرمز الوطني الجنوبي_ فازدانت به شوارع مدن الجنوب، ورفع على المساكن في المدن والقرى على حد سواء، بل إن عاصمة الجنوب السياسية (عدن) أبدعت أشكالاً جميلة للعلم مرسوماً على الأسوار والمنازل والجبال، فحيث مررت تحيط بك رسومه من كل الاتجاهات.. إذ كانت هيمنة العلم _الرمز الجنوبي_ على مدن الجنوب، وانحصار علم الاحتلال على المعسكرات والمباني الحكومية، ليس مصدر بهجة الإنسان الجنوبي الثائر وحسب؛ بل وترسيخ إيمانه بعدالة قضيته وانتصارها ودنو أجل تحرير الوطن واستعادة دولة الجنوب المستقلة [ومن المفارقات المطلة برؤوسها من جراب حاوي الخراب (=الوحدة أو الموت+حرب الردة والانفصال=) أن ينبري فرد أو أكثر، تحت أي صفة كانت، ليستنكر _اليوم_ على #المقاومة _الوطنية
_الجنوبية رفع علم دولة الجنوب على العربات والآليات العسكرية والمعسكرات المحررة ..الخ، إن ذلكم التعاطي المتصادم مع اللحظة التاريخية الراهنة، لا يفسر غير أمرين:
الأول: قمع معنويات #المقاومة _الوطنية _الجنوبية وكسر إرادتها خدمة للحلف الحوثي-عفاشي.. وفي أحسن الأحوال عدم الرضا عن انتصارات الجنوب العسكرية.. والسبب/المحرك معروف.
الثاني: تجاهل ثورة شعب الجنوب السلمية وما حققته، من جهة، وجهل سياسي فظيع لأهمية ودور الرموز في حياة الشعوب؛ وبالتالي الخطر المترتب على المساس بها!!]
نعود لنستكمل الإجابة ما قبل الهلالين في التالي:
١- إن مقاومة شعب الجنوب للاحتلال، بمختلف الأشكال والتعبيرات الشرعية، والتي توجت بثورته السلمية التحررية منذ ٢٠٠٧ حتى ٢٥ مارس ٢٠١٥م ودخول التحالف العربي مسرح الصراع عسكرياً بــ #عاصفة_ الحزم ، ومواصلة
(الثورة) بمقاومة اليوم الباسلة، هي ثورة تحرير للخلاص من احتلال الـ(ج.ع.ي) الهمجي البربري.. التدميري، لدولة الجنوب عام ١٩٩٤م وهدفها معلوم ومعروف في العالمين الإقليمي والدولي، ألا وهو تحرير الجنوب واستعادة دولته المستقلَّة (ولا ريب أن قيادة دول التحالف العربي الشقيقة، تدرك ذلك إدراكاً تامّاً).
٢- إن مقاومة شعب الجنوب الوطنية، بصورتها الراهنة، التي اقتضتها _بالأحرى؛ وفرت عواملها دول التحالف الشقيقة_ هي مواصلة لثورة شعب الجنوب الوطنية التحررية.
٣- إن التطورات والأحداث وتداعياتها السياسية والعسكرية منذُ ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م إلى ٢٥ مارس ٢٠١٥م أعادت تشكيل خريطة الصراعات والتحالفات والمصالح، على صعيد الاحتلال وسلطته في (صنعاء) وعلى صعيد صراع وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة، الأمر الذي قاد إلى قيام تحالف #عاصفة_ الحزم العربي بقيادة المملكة السعودية، لحماية أمنه ومصالحه، وما كان هذا سيحدث لو أن الخليجية، قامت على الحقائق الموضوعية للصراع ومحركات ثورتي (عدن) التحررية، (وصنعاء) التغييرية، أما على صعيد قضية شعب الجنوب الوطنية، وثورته التحررية، فإن:
ٱ) المضمون الاجتماعي والسياسي والقانوني والأخلاقي، لصراع شعب الجنوب مع الاحتلال الــ(ج.ع.ي) لم تساهم التطورات الدراماتيكية في منظومة الاحتلال السياسية، على مواقفها السياسية إزاء الحق الوطني الجنوبي وتطلعاته الشرعية والعادلة المعلن عنها في ساحات الثورة مضرجة بالدم، ولذلك؛
ب) فثورة شعب الجنوب التحررية _وبناءً على الحقيقة أعلاه، ولاسيما مقاومتها الراهنة_ لا تفصم بين وجهي عملة الاحتلال.. فالاحتلال واحد، لا فرق بين مركز قواه العسكرية والسياسية المحاربة عسكرياً لإعادة إنتاج موته في الجنوب، ممثلاً بالحلف الحوفاشي، ذراع المطامع الإيرانية في جنوب الجزيرة العربية.
ووجهه الآخر، الذي يحارب حق شعب الجنوب الشرعي والعادل، سياسياً، مستقوياً بالتحالف العربي، ملتقياً مع الحلف الآنف الذكر في هدف إعادة إنتاج الهيمنة على الجنوب: الأرض والإنسان، ممثلاً بـ(هادي) والقوى السياسية والقبلية المهزومة في (صنعاء).
والحق بأن الأخير، وبمساندة التحالف العربي عن وعي، أو عن جهل، هو المتبنِّي لسيناريو اغتيال أفراح شعب الجنوب، وآماله وتطلعاته التي يرويها بالدم والألم والعرق، منذُ عقدين من الزمن المهين، أما الطرف الآخر من الاحتلال، فهو لا يملك لا قرار ولا إمكانية فرض أجندته على شعب الجنوب اليوم.
ج) السؤال الذي يؤمل من قيادات دول التحالف وشعوبها الشقيقة أن تستوعبه، بالأحرى تتفهمه، هو: كيف يطلب من شعب الجنوب الثائر المقاوم، أن يلغي عقله الجمعي، ويستأصل ذاكرته بنار الإكراه وأدخنة الدجل والتزوير؛ فيفصم بين يدي من احتل أرضه غدراً، وسامهُ سوء العذاب والإذلال، وارتكب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب وإبادة بحقه.. كيف يفرق بين يدين ملطختين بكلّ ذلك الجرم المُدان في كل الأديان والشرائع والقوانين الإنسانية؛ فيقبِّل يد قاتله اليمنى بالبراءة، ويدين يسراه بالجريمة؟؟.. فهل يقبل ما لا يُعقل؟؟ وكيف تستقيم سياسة تستند إلى ازدواجية ترقى إلى مصافّ الفصام المرضي؟؟!
د) إن سير قيادة التحالف العربي، دونما دراسة، في طريق فرض الاحتلال على الجنوب: الأرض والإنسان، مرة أخرى، بقوة الإكراه، وفق أجندة الاحتلال بشقيهِ سالفي الذكر، لن يفضي _في نهاية الخدعة_ إلا إلى فقدان الجنوب: نصراً وولاءً، وخسارة الحرب في اليمن (الشمال)، أي وصول العاصفة إلى مأزق عسكري وسياسي بل وأخلاقي.. أما شعب الجنوب؛ بما هو صاحب حق موضوعي، لا يسقط بالتقادم، وأثبتت الأيام، بأنه مركز دائرة أسباب أزمة سلطة الاحتلال في (صنعاء)، ومحاولة تجاهله _أما إلغائه فهو مستحيل_ في هذه المرحلة من قبل قيادة التحالف العربي لن يؤدي إلا إلى ما قاد إليه تجاهله في المبادرة الخليجية عام ٢٠١١م والسعي لسرقة وإهدار انتصارات وتضحيات شعب الجنوب، لن يقود إلا إلى مثل ما قادت إليه سياسة التزوير الفج لإرادته، فيما أُسمي بالحوار الوطني الفاشل بالتبعية لإطاره المرجعي.. إذ أن ما بني على باطل انهار على رأس بانيه..
٤- نؤمل، بل ونتوقع، بأن صيرورة الحرب، سوف تفرض على قيادة التحالف العربي _بالضرورة_ الخروج عن النص الهلامي لماهية وأهداف العاصفة، وعندئذٍ سوف تلزم نفسها بحقيقة أن شعب الجنوب، ثار قبل العاصفة، واليوم يقاوم باستبسال ويقدم التضحيات من أجل التحرر من نير الاحتلال؛ وليس من أجل تثبيته على رقبته، وهو أمر يستحيل تجاهله.
٥- إن كل ما أسلفنا ذكره، لا يلغي ضرورة التعاطي التكتيكي الواعي مع ما يحيط بقضية شعبنا الوطنية من قبل المقاومة الجنوبية، وأن تضع البدائل لكل الاحتمالات، ولعل في مركز ما نرى ضرورة أن تستوعبه، ومعها النخبة السياسية والثقافية الجنوبية المرتبطة بالثورة، هو أن الحقائق على الأرض هي القادرة على تغيير المعادلات السياسية القائمة، والكفيلة بفرض إعادة ترتيب قائمة الأولويات في المعركة وفي التحالفات السياسية.. إذ من الخطأ السياسي القاتل، أن تتم الاستجابة العاطفية لما يصدر عن قيادات الاحتلال إجراءات وتصريحات مستفزة، ...الخ، وذلك حفاظاً على تضحيات شعبنا الغالية، ومواصلة استهبال لفرصة للسيطرة على الأرض المحررة، وهو ما لن يتأتَّى إن لم يقم تكتيك المقاومة على وعى قاعدة "قل ما تشاء، فأنا أعرف ما أريد"لذلك؛ وما لم نتطرق إليه، يقاوم شعب الجنوب باستبسال المشتاق لإيقاد فجر الحرية، فتصمد مقاومته وتحقق الانتصارات.. باختصار: يقاوم ويضحي من أجل وطنه واستعادة عزته وكرامته على أرضه في دولة مستقلة، كباقي شعوب الأرض.. بينما كل دوافع ومحركات المقاومة الوطنية الجنوبية غير متوفرة لدى شعب اليمن (الشمال)، حيث:
١- أن المربع الزيدي، لم ولن يكون إلا مع الحفاظ على هيمنته التاريخية، بمعزل عن من يتربع عرش هذه الهيمنة، المهم أن يكون من المربع ذاته، جغرافيّاً ومذهبيّاً.
٢- المجتمع في تعز وإب والحديدة، برغم صبوه إلى التحرر من هيمنة المربع الزيدي، فجلّه مجتمع مدني، فضلاً عن بقاء عوامل الإخضاع والهيمنة والحياد الذليل، أحد سماته ، بسبب قرون الإذلال الطويلة.
٣- القبيلة تبحث عن مصالح مباشرة، لا عن وطن، بل القبيلة نقيض للدولة وثقافتها ما دون وطنية، فتنحاز دائماً إلى الكفة الراجحة وإن توزعت بين أطراف الصراع مؤقتاً، ولذلك شاهدنا سقوط المقاومة في محافظة الجوف، بصورة درامية، بل أشبه بسقوط برج من الملح أغرق ساسه بالماء، ومقاومة مأرب وجيشها لم لم تستعيد صرواح حتى الآن.. ومرشحة للسقوط بعد الجوف، أما تعز؛ مقاومة إعلامية أكثر منها مقاومة فاعلة على الأرض.
مقالات أخرى