فواز الحيدري
تعز تبكي فهل ستجد من يمسح دموعها ؟ مدينة مظلومة. ..وشعب ظالم

لفظ مشع يتنور بنوره كل من يزورها إنها تعز  ،عشق أبدي يكتب بجدائل جبل صبر  حكايتها .. مكبرات مآذنها تنادي  أيها (الرجال ) كفى عبثا . كفى هتك  , كفى  طمس تاريخي وجرحي بالسر والعلن .

تعز عذراء الوطن ؛ بعد أكثر من الآلاف السنين يجري اليوم التهافت من ضعاف النفوس من بعض (أبنائها) الذين غرر بهم   في أتون حرب ليست لمصلحة تعز وكذلك العبث بكنزها الثمين الذي ضلت طوال عمرها محافظة عليه ، هذا الكنز ليس  عملات ذهبية او  أراضي وعقارات وتراث من بقايا  ما تركه قوم (....... ) بعد خلعه من قبل الشعب .إنما هو ما تبقى من إرث تاريخي وحضاري وثقافي واجتماعي  ( يتحلى به أبناؤها  )  .

فالأحداث التي  تشهدها تعز خاصة ، مثيرة إلى درجة إن كل عربي من الخليج إلى المحيط  يتابع ،  يترقب نتائجها وكأنه واحد من أبناءها الذين وصفوا على مر العصور والأزمنة بالطيبين تحضرا وأخلاقا .

لقد حدثت أمور عظيمة .. هجمة بربرية غجرية غاشمة , غير إنسانية .وأتخيلها دخيلة على هذا المجتمع المتحضر ، فخلال جولتي بهذه المدينة شاهدت الكثير من شبابها في المكان الأخر يعملون نقاط تفتيش ويعبثون بكل شي حتى النساء لم تعد لهن معامله خاصة في قاموسهم الجديد ، بتّ أتساءل هل انا فعلا في تعز التي عهدناها بلاد الثقافة والعلم . تأتي الإجابة كصدى راجع من زمن سحيق نعم إنها تعز وهؤلاء أبناؤها الذين يتربصون لهتكها والإيقاع بها في شراك الأعداء ، سلمت على واحد من المتحوثين كما يطلق عليه وسألته : كيف يقولون إن الحوثيين كلهم من صنعاء وصعدة ؟ فكانت إجابته كصاعقة نزلت على رأسي حين قال : كلنا حوثيون ونحن سنحارب العدوان ........ وسنقضي على كل المرتزقة والعملاء عاجلا او آجلا ، انسحبت بخفة حتى لا أثير شكوكه حولي واتجهت شرقا نحو منطقة تسمى بير باشا وهناك شاهدت نفس الجلفة في المعاملة للمواطن التعزي من قبل هذه المليشيا التي تتعامل معهم وكأنهم عبيد وخدم تؤمر هذا وتمنع اخر وتزجر البعض وتمنع دخول المواد الغذائية والمستلزمات الطبية إلى المدينة التي هي تحت قبضت المقاومة بحجج واهية .

في تعز تتجلى الطبيعة في قمة سخائها الأمر الذي جعلها تتحدى الصعاب وجعل الإنسان التعزي يشيّد حضارته في أعالي قمم الجبال ، مضت بنا السيارة بعد إن خضعنا لتفتيش دقيق جدا من قبل المتحوثين ،وما هي سوى دقائق حتى وصلنا نقطة تابعة للمقاومة( قلب تعز النابض ) هناك تنفسنا الصعداء وتحدث ألينا احد رجال المقاومة وأُكد لنا إن أغلب قوات الحوثي في تعز من أبنائها المندرجين تحت مسمى أعوان  الرئيس صالح المخلوع وبالرغم من كل ذلك وبرغم المعاناة التي يتجرعها أبطال المقاومة في تعز  فمازالوا شامخين شموخ يسرد تاريخ أبناء مذحج السباق في صحبة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ،مضينا نحو قلعة القاهرة لأنه الطريق الوحيد المسموح  والمتبقي لنا للخروج باتجاه الجنوب ،شوارعها ضيقة  جدا ومبانيها تتوزع بشكل غير منتظم وبالرغم أنني كنت أعاني كثيرا لما أشاهد من دمار وخراب في البنية التحتية وكنت أتوجع من عملية الهدم المبرمجة للإنسان التعزي .تعرجنا من قلعة القاهرة التي تقبع في أسفل جبل صبر وعبر طريق  شبه حلزوني وملتوي وكأنه مشقوق في الصخر حيث يحاذي الجبل من جانب والوادي من الجانب الأخر وتقف بعض العمارات شامخة على الطريق بالرغم من تهدم بعضها لتؤكد لكل من يشاهدها بأن تعز لم تعد تقوى على تحمل المزيد ، ولا تمتد الرؤية لأكثر من مئات ألأمتار ليرتد البصر خاسئا أمام نقطة (حوثيون) بالقرب من جولة القصر ، استوقفنا ذلك الطفل المدجج بالسلاح وصوت المذياع المتشبث عنقه بزامل أهازيج عرفنا فيما بعد أنها بمثابة تقوية وعامل نفسي ليس أكثر، وخرجنا من تعز الحالمة وودعناها أملا بالعودة إليها وقد تحررت من سرطان العصر الذي يفتك بالأرواح دون سبب .                

لقد كانت هذه المدينة بوتقة الأخلاق وصانعة الرجال المخلصين الأوفياء لها ، وساحة لكل من يريد إن يرتشف فنجان من الثقافة العصرية أو لفحة من موسيقى هادئة ، فلقد كان العالم يأتي إليها لينال بركتها من الطيبة  وقداستها من الأمان . واليوم لا نرى الكثير من ذلك فقد حلت وللأسف الشديد أخلاق نتنة تبكي منها تعز الحبيسة ، فهل ستجد من يمسح الدموع عن وجناتها ؟ نأمل ذلك .

مقالات أخرى

العميد أحمد قايد القُبّة

علي شايف الحريري

( الوحدة مع ايران)

م. جمال باهرمز

محطة التشاور الأخيرة في الرياض .. آن الأوان لوضع الأمور في نصابها

صالح شائف

مستقبل الأمة العربية ... بين جنون نتنياهو وتهريج ترامب

د . خالد القاسمي