في السنوات الأخيرة، أخذ مشهد تنفيذ أحكام الإعدام في العاصمة عدن وبعض المحافظات الجنوبية بالتصاعد بشكل لافت، حتى غدا هذا المشهد جزءاً متكرراً من العناوين الإخبارية اليومية، ومن حديث الناس في المجالس والشارع العام. أحكامٌ تنفّذ في الساحات، وأحياناً على مرأى ومسمع من الجميع، وقضايا قتل متوالية تعصف بالمجتمع وتثير الهلع في النفوس، وسط تساؤلات مشروعة: لماذا نُعدم أكثر؟ ولماذا نقتل أكثر؟
سؤال لا يحتمل التأجيل
في مجتمعٍ يئن تحت وطأة الانفلات الأمني سابقًا، ويبحث جاهدًا عن قبضة العدالة، يبدو تنفيذ الإعدام بمثابة إعلان صريح بأن الدولة استعادت شيئًا من هيبتها. وهو كذلك، لا جدال في ذلك. فجهاز الأمن والقضاء في عدن، رغم شحّ الإمكانيات وضبابية المشهد السياسي، استطاعا أن يثبتا حضورهما. ففي الوقت الذي سادت فيه ثقافة الثأر والفوضى، جاء تنفيذ الأحكام ليبعث برسالة صادمة وواضحة: لا حصانة للقاتل.
الإعدام... عدالة أم رعب؟
قد يرى البعض في هذا التصعيد نوعًا من الردع المطلوب في مجتمع بات القتل فيه أيسر من كلمة اعتذار، لكن السؤال الأعمق الذي يجب أن يُطرح: ما الذي جعل الجريمة تتكاثر بهذا الشكل المفزع؟ كيف وصل مجتمعٌ محافظ، متدين، مترابط كالنسيج العدني والجنوب عمومًا، إلى هذا المنعطف الدموي؟ وهل الرد على الجريمة بالمزيد من الدم هو الحل الدائم، أم أنه مجرد مسكن مؤقت لنزيف متفاقم؟
نعم لدور الدولة... لا لغياب الضمير
نحن هنا لا نشكك في شرعية تنفيذ الأحكام القضائية، بل ندعمها، ونشيد بكل قاضٍ نطق بالحق، وكل رجل أمن طارد المجرمين ووقف حارسًا على بوابة القانون. لكننا في ذات الوقت نصرخ في وجه المجتمع: حرامٌ عليكم دماؤكم. فالقضاء لا ينبغي أن يكون وحده في الميدان، بل يجب أن يقف المجتمع كله أمام مرآة أخلاقه، يراجع تربية الأبناء، ثقافة العنف، غياب الحوار، وتلاشي القيم.
لا نريد عدن مدينة للإعدامات... بل مدينة للعدالة والسلام
إن ازدياد تنفيذ الإعدامات ليس مؤشر قوة فقط، بل هو إنذار خطر لما وصل إليه حالنا. فكل حكم إعدام يُنفّذ، هو في الأصل مأساة بدأت بجريمة، وربما غفلة، وربما قهر، وربما تربية مسمومة. لا نريد لعدن أن تُعرَف عالميًا بمدينة "الإعدامات العلنية"، بل نريدها حاضرة القانون، والعقل، والوعي، وواحة الأمن الاجتماعي الذي لا يحتاج كل يوم إلى مشهد دموي ليشعر الناس بالطمأنينة.
ختامًا: دعونا نحتكم إلى الضمير قبل أن نصل إلى القاضي
نعم للعدالة، نعم لهيبة الدولة، لكن الأهم من ذلك: نعم لحياة خالية من القتل. لا نريد مزيدًا من الضحايا، لا على المقصلة ولا تحت رصاصات الغدر. آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصدق: لماذا أصبح القتل خيارًا سهلاً؟ لماذا لم يعد الدم يُرعبنا؟ الجواب في القيم، في الأسرة، في التعليم، في الإعلام، وفي وعي جماعي يجب أن ينهض من سباته.
هل نحتاج لمزيد من الإعدامات؟ أم نحتاج لمجتمع لا يُنتج قتلة؟
هنا يبدأ النقاش الحقيقي.
مقالات أخرى