في لحظة مؤلمة تهتز لها مشاعر كل من عرف الفن الحق، ويُقدر رموزه الصادقة، جاء النبأ المفجع: الفنان الكبير، عملاق المسرح والدراما اليمنية قاسم عمر، فقد بصره كليًا، بعد معاناة طويلة مع مضاعفات داء السكري، الذي لم يُفقده يومًا بصر البصيرة، ولا حماسته للعطاء الفني والثقافي.
قاسم عمر ليس مجرد ممثل أو مخرج، بل رمز من رموز المسرح اليمني وروّاده الكبار. صعد خشبة المسرح منذ أكثر من نصف قرن، وتألق لأول مرة في مسرحية "التركة" التي رسّخت اسمه في ذاكرة الجمهور اليمني، وظلت أيقونة فنية حية حتى اليوم. لم يكن حضوره مقتصرًا على الأداء فقط، بل كان فاعلًا في تشكيل وقيادة المشهد المسرحي والدرامي في عدن واليمن عمومًا، ممثلًا ومخرجًا ومثقفًا ملتزمًا بقضايا شعبه.
رحلة المرض كانت قاسية عليه جسديًا؛ إذ اضطر الأطباء في سنوات سابقة إلى بتر بعض أصابع قدميه، واليوم ها هو يُواجه فقدان نعمة البصر، لكن "البصيرة" التي أضاءت لنا خشبات المسرح وشاشات التلفزيون ما تزال مشعة في ذاكرة اليمنيين، وفي وجدان كل من تربى على أعماله.
يستدعي هذا الواقع الأليم موقفًا عاجلًا وإنسانيًا من قيادة الدولة، من مجلس القيادة الرئاسي، ورئاسة الحكومة، ووزارة الإعلام والثقافة والسياحة. الفنان قاسم عمر ليس فردًا عاديًا؛ بل هو إرث حيّ، وسِجل من الإبداع الذي ساهم في بناء الوعي الوطني والثقافي. أقلّ ما يمكن فعله اليوم هو الوقوف معه ومع أسرته، وتقديم الرعاية الصحية والدعم المعنوي الذي يليق برمزية عطائه الممتد لأكثر من خمسين عامًا.
ولد الفنان قاسم عمر عام 1957، وبدأ رحلته الفنية عام 1973، قبل أن يلتحق لاحقًا بدراسة الإخراج المسرحي في أوكرانيا، ليعود إلى الوطن حاملًا شعلة الإبداع الأكاديمي والميداني، ويخوض غمار تأسيس مسرح يمني حقيقي، يعكس وجدان الناس وهمومهم.
من أبرز أعماله المسرحية:
التركة، الملك هو الملك، ماكبث، عائلة في خطر، ثورة الزنج، العاشق والسنبلة، في البدء كان القربان، الوجه المشطور، نحن والفاشية، الأم.
أما في الدراما التلفزيونية، فقد ترك بصمته في:
الحنين، الوصية، سيف بن ذي يزن، أحلام في الأفق، الدرس الصعب، موال الصمت، الرحلة، أصل الحكاية، العالية.
وفي السينما شارك في:
الرهان الخاسر، القارب، 10 أيام قبل الزفة.
إنها لحظة للتأمل، وربما للمراجعة. كيف يمكن لوطن أن ينسى رواده؟ كيف يمكن لمؤسسات الدولة والمجتمع أن تغض الطرف عن صوت من الأصوات التي صنعت وجدان هذا الشعب؟
سلامات للفنان الإنسان، والمثقف النبيل، قاسم عمر. ستظل عيناك – وإن غاب عنهما البصر – نوافذ أمل مفتوحة على مسرحنا اليمني، شاهدة على تاريخ من النور والعطاء.