أثبت رئيس الحكومة، سالم صالح بن بريك، منذ توليه منصبه، أنه رجل دولة يتحلى بدرجة عالية من المسؤولية، قادر على جمع الأطراف المختلفة للعمل لصالح الدولة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة. وفي فترة زمنية قصيرة، استطاع أن يخطو بخطوات تصحيحية هادئة وثابتة، قبل أن تتسارع وتيرتها مؤخرًا، محققة إصلاحات أولية جوهرية، كانت في نظر كثير من المراقبين ضربًا من المستحيل في ظل الأوضاع المتردية التي تشهدها قطاعات الدولة كافة.
من أبرز هذه الإصلاحات، تحريك المياه الراكدة في مسار الاستقرار الاقتصادي، وفي مقدمتها استعادة العملة الوطنية لعافيتها تدريجيًا أمام العملات الأجنبية، وهو إنجاز جاء نتيجة إقناع قيادة الدولة في مجلسها الرئاسي، والتحالف العربي، والدول الراعية لعملية السلام، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بضرورة دعم هذا التوجه.
وفي الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء، ركز رئيس الحكومة على أن استقرار العملة لا يكفي وحده إذا لم ينعكس على الأسعار في الأسواق. وأوضح أن ما يهم هو أن يجد المواطن السلع والخدمات بأسعار عادلة وجودة مناسبة، وأن القانون سيكون أداة الحكومة لضبط الأسواق، مع رفض أي تلاعب أو احتكار. كما شدد على أن القطاع الخاص شريك أساسي في التنمية، لكن هذه الشراكة يجب أن تترجم عمليًا في مصلحة المستهلك، داعيًا الوزارات والسلطات المحلية إلى الرقابة اليومية وتطبيق قرار منع التعامل بغير العملة الوطنية، وربط انخفاض أسعار الوقود بتراجع تكاليف النقل والمنتجات الزراعية والبحرية.
يأتي ذلك بعد أيام قليلة من صدور قرار مجلس الوزراء رقم (13) لسنة 2025م، القاضي بحظر استخدام العملات الأجنبية بديلًا عن العملة الوطنية في جميع المعاملات التجارية والخدمية والتعاقدات المالية في الجمهورية، وهو القرار الذي لقي ترحيبًا واسعًا من المواطنين الذين اعتبروه خطوة مهمة لحماية الريال اليمني.
ويرى مراقبون أن نجاح هذه الإصلاحات يتطلب التزامًا وطنيًا من الجميع، بعيدًا عن المماحكات السياسية والمناطقية والحزبية، لإعادة الأمل للشعب اليمني الذي فقد الثقة في الحكومات السابقة بسبب فشلها في تحسين الأوضاع المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية.
ومن وجهة نظري، فإن ما يقوم به رئيس الحكومة اليوم هو بمثابة "فرصة تاريخية" لإثبات أن الإصلاح الاقتصادي ليس حلمًا بعيد المنال، بل خطة قابلة للتنفيذ إذا وُجدت الإرادة السياسية والدعم الشعبي. غير أن هذه الجهود لن تكتمل إلا إذا تضافرت مع إصلاحات موازية في مؤسسات الدولة، ووقف العبث بالمال العام، وضمان شفافية التنفيذ. وإذا نجح بن بريك في ربط استقرار العملة بتحسن معيشة المواطن، فسيكون قد خطى خطوة كبيرة في إعادة بناء الثقة بين الشارع اليمني وحكومته.