لقد وصلتني في الأيام الماضية العديد من الرسائل الصوتية والخطية، جميعها تحمل أنيناً واحداً وصوتاً متكرراً يطالب الصحفي المناضل علي مقراط بأن يكون لسان حالهم، وأن ينقذهم من نار الجوع والفاقة بعد أن انقطعت مرتباتهم لعدة أشهر متتالية.
هؤلاء ليسوا سوى أفراد الجيش والأمن، وبالذات المتقاعدين منهم، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن، ووقفوا في وجه المخاطر لحمايته، ثم وجدوا أنفسهم اليوم عاجزين عن توفير كسرة خبز لأطفالهم، بعدما توقفت مرتباتهم للشهر الرابع على التوالي، دون أي بارقة أمل أو مؤشرات انفراج من الجهات المعنية.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الصحفي علي مقراط قد جاهد طوال هذه الفترة بكل ما أوتي من قوة الكلمة والقلم. لم يتوقف لحظة عن مناشدة القيادة الشرعية ووزارة الدفاع لفتح مرتبات الجيش والأمن، وظل صوته يصدح في مختلف المنابر الإعلامية مطالباً بحقوق العسكريين والمتقاعدين، مدافعاً عنهم دون خوف أو مصلحة.
بل إن الرجل، ورغم ظروفه الصحية الصعبة وتواجده في أحد مستشفيات القاهرة بجمهورية مصر العربية، لم ينس واجبه الإنساني والوطني تجاه زملائه وأبناء المؤسسة العسكرية والأمنية، فكان وفياً لقلمه ولرسالته الصحفية، ومخلصاً لقضية لا يمكن السكوت عنها.
من هنا، فإنني أتوجه بالشكر والتقدير العميق للأستاذ علي مقراط، رئيس تحرير صحيفة الجيش، وأثني على جهوده التي تبذل بإصرار نادر في زمنٍ عزّ فيه صوت الحق. فهو نموذج للصحفي الحر الذي لا يساوم على قضايا الناس ولا يتاجر بآلامهم.
وفي الوقت ذاته، فإننا ندعو الإعلام الجنوبي إلى أن يلتفت لهذه المأساة، وأن يخرج من دائرة المناكفات والمعارك الوهمية التي لا تخدم سوى الخصوم. الإعلام هو السلطة الخامسة، وهو صوت المظلوم قبل أن يكون أداة لتصفية الحسابات. اليوم واجب الإعلاميين أن يساندوا قضية الرواتب، وأن يقفوا بجانب هذه الفئة المظلومة التي لا تملك سوى الله ثم صوتها.
كما أن المجلس الانتقالي الجنوبي، المفوض من شعب الجنوب من المهرة إلى باب المندب، مطالب بأن يتحمل مسؤوليته، وألا يُختزل دوره كما يصوره بعض إعلامه المطبل من النفق في القلوعة إلى ساحل جولد مور. الجنوب أوسع من ذلك بكثير، ومعاناته أكبر من حدود جغرافيا ضيقة.
ولمن يقول إن القوات الجنوبية تستلم دعماً من السعودية أو الإمارات، نقول: طيب، اصرفوا لقواتكم من هذا الدعم، لعل وعسى يجد الجندي الجائع عظمة من فتات ما يصل إليكم، بدلاً من أن يُترك هو وأسرته يواجهون الجوع والموت البطيء.
ختاماً، القضية ليست سياسية ولا جدلية، بل إنسانية بحتة. هي صرخة شعب وجيش وأمن ومتقاعدين لم يعودوا يملكون ما يسد رمقهم، وواجبنا جميعاً أن نوصل صوتهم ونقف إلى جانبهم حتى تنفرج هذه الأزمة